أقسام الناس في هذه الحياة الدنيا
ثم ذكر الحديث الذي خرجه الإمام أحمد والنسائي وابن حبان وغيرهم من حديث أبي سعيد الخدري: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( استكثروا من الباقيات الصالحات، قالوا: وما هن يا رسول الله؟! قال: التكبير، والتسبيح، والتهليل، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله ) )، وقد قال الله تبارك وتعالى في هذه الباقيات: (( الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ))[الكهف:46].فعندنا معياران وميزانان: فأهل الدنيا الذي لا يفكرون في الآخرة، ولا يذكرون الله، ولا يؤمنون بما وراء هذه الحياة؛ هؤلاء عندهم أن المال والبنين هما كل شيء، وهما زينة الحياة الدنيا، ولا ينكر كونها زينة؛ لكن أن يقتصر الإنسان عليها، ويفضلها، ويعظمها، ولا يفكر في غيرها؛ فهذا مغبون، وهذا خاسر خسارة عظيمة جداً؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعل الباقيات الصالحات خيراً منها ثواباً وخير أملا، وجعل قول: سبحان، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله خيراً من هذه الدنيا كلها إذا تجردت عن ذكر الله، فليتنافس أهل الدنيا فيها.وأما متاع الدنيا الأموال، والممتلكات والمناصب، والبنون، والزوجات، والمتاع مهما كثر، ومهما عظم إذا تجرد عن ذكر الله، وعن إرادة وجه الله؛ فإنه لا يساوي أن يقول المؤمن كلمة واحدة من: سبحان، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فهذه خير من هذا كله.فالمؤمن لا ينظر إلى الأشياء كما ينظر إليها من لا يؤمن بالآخرة، فالذين لا يؤمنون بالآخرة همهم كله منصب في هذه الدنيا (( يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ))[الروم:7]، ((بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ))[النمل:66]، فهؤلاء ضل سعيهم في الحياة الدنيا، فلا يؤمنون إلا بها، ولا يعملون ولا يكدحون إلا من أجلها؛ فلذلك يفكرون دائماً فيما يمتلكون من زينتها من الأموال، ومن الأولاد، ومن المتاع، ومن الشهوات، ثم يرحلون وينتقلون عنها فجأة، وهنالك عند الله تبارك وتعالى في الآخرة يتمنى أنه عمل خيراً عوضاً عن هذا كله الذي تركه لوراثة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ ) فذكروا أن مالهم أحب إليهم، والواقع أن حال الناس يدل على أنهم يفضلون مال الوارث؛ لأنهم يخلفون لوارث هذا المال للوارث ولا يقدمونه عند الله عز وجل، فمن كان هذا حاله فإنه يتمنى أنه ذكر الله تبارك وتعالى ولو لمرة واحدة، وأنه لم يكن قد ملك هذه الدنيا كلها، فهذا هو الميزان، وهذا هو المعيار الذي يجب أن يكون عند المؤمنين بالله والمؤمنين بالدار الآخرة، فلا تغرهم كثرة زخارف الحياة الدنيا فمتاع الدنيا قليل، والآخرة خير لمن أتقى.