قال: (وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن المقسطين عند الله على منابر من نور، على يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين ) )، وليس هناك شرف أعظم من هذا، فليس هذا عظيم من عظماء الدنيا يضعك بجانبه، على يده اليمنى؛ ليراك الناس، وأنما هو الله عز وجل؛ جبار السماوات والأرض، وملك الملوك سبحانه وتعالى يجعل هؤلاء الخلق الذين هذا شأنهم على منابر من نور، عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، فهذا الموضع العظيم، والمكان الجليل يغبطهم عليه كل الخلق.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنهم من هؤلاء فقال: الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا )، فاعدل في البيت حتى ولو يكن عندك زوجتان، فليس من شرط العدل أن يكون بين زوجتين، وإنما يعدل المرء مع أهله، ومع أبنائه، وينصفهم من نفسه، ويعطيهم حقهم الذي افترض الله تعالى عليه لهم، فإذا كبرت الولاية فالعدل يعم، والواجب يكبر بقدر ما تتولى، فإن كنت تريد أن تكون من أولياء الله المقربين المقسطين، الذين هذه درجتهم يوم القيامة؛ فعليك إذاً بالعدل.
( الذين يعدلون في حكمهم ) سواء كان حكم ولاية، أو كان حكم قول؛ لأن القول حكم، قال تعالى: (( وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا ))[الأنعام:152]، ولهذا يقول ابن تيمية رحمه الله: إن كل من قضى وحكم بين اثنين فهو قاض. أي: أن القاضي اسم جنس يشمل كل من قضى أو حكم بين اثنين؛ حتى من يحكم بين الأطفال إذا تخيروا في الخطوط، أي: إذا سألوك عن خطوطهم: أيهم خطه أحسن.
إذاً: فهذه المسألة عظيمة جداً، وهذا العدل فقده أكثر الناس، والقليل هم الذين يراعون العدل فيما يقولون، وفيما يفعلون، وفيها يتصرفون، والواجب على من أراد ولاية الله: أن يكون من المقسطين، ومن أهل العدل الذين يعدلون في حكمهم إن كان قولاً، وإن كان عملاً، وإن كان ولاية عامة، وإن كان ولاية خاصة في البيت أو ما فوقه.
يقول: (وفي الترمذي عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن أحب العباد إلى الله يوم القيامة، وأدناهم إليه مجلساً إمام عادل ) ) فأدناه الله تعالى وقربه؛ لأنه كان في الدنيا في إمكانه أن يطغي، وكثير من الناس تطغيهم مناصبهم فلا يعدلون، وهذا مع ما ولاه الله إلا أنه عدل وقسط؛ فلذلك استحق أن يدنيه الله تبارك وتعالى منه، فهذه هي الدرجة الأولى.