قال: (فظهر بذلك أن دعوى طريق يوصل إلى التقرب إلى الله تعالى، وموالاته، ومحبته سوى طاعته التي شرعها على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ممن ادعى ولاية الله ومحبته بغير هذا الطريق؛ تبين أنه كاذب في دعواه).
وهذا كما بينا: أن أدعياء الولاية كثيرون، لكن لا يمكن أن يكون ولي الله من ارتكب المحرمات، أو ترك الفرائض، فهو ليس من أهل الدرجة الدنيا؛ فكيف يزعم أنه من أهل الدرجات العلى في الولاية؟! فولي الله لا بد أن يكون ممتثلاً للأوامر، مجتنباً للنواهي.
وهذا الكلام من الشيخ رحمه الله تعريض ورد على أهل الطرق الصوفية الذين يدعون أن هناك طرقاً أخرى تؤدي إلى الولاية، فهو يذكر أن ليس هناك طريق إلا في امتثال الشرع، واتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأما غير ذلك فكذب، وهو طريق مسدود، والعمل في وجه فاعله مردود.
يقول: (كما كان المشركون يتقربون إلى الله تعالى بعبادة من يعبدون من دونه، كما حكى الله عنهم أنهم قالوا: (( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ))[الزمر:3]).
فهم يريدون التقرب إلى الله، والتزلف إليه بعبادة هؤلاء، وإن شفاعتهن لترتجى، ويقولون: إن هؤلاء شفعاؤنا عند الله، فنحن نعبدهم وندعوهم ليقربونا إلى الله زلفى، فالمشركون لم يقولوا: نحن نريد أن نعادي الله، ولم يقولوا: نحن نريد أن نبتعد عن الله، فهم يريدون أن يتقربوا إلى الله، لكن كان تقربهم بطريق غير مشروع؛ وذلك بطريق الشرك، فلم تنفعهم إرادتهم التقرب؛ لأن العمل الذي عملوه لم يكن صائباً، حقاً فإرادة التقرب إلى الله حق؛ لكن يجب أن يكون العمل أيضاً حقاً، فهذا ما حكاه الله عن المشركين.
وقد حكى الله تعالى عن أهل الكتاب من اليهود و النصارى أنهم قالوا: (( وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ))[المائدة:18]، أي: الشعب المختار، فكل واحد منهم يدعيها، لكن الله تعالى كذبهم فقال: (( فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ))[المائدة:18]، إذاً: إذا أحب الله عبداً لم يعذبه، وهذه فائدة عظيمة، فاحرص على أن تكون أعمالك مما يؤدي إلى محبة الله، فإذا أحبك الله لم يعذبك، وأما أن يقولوا: نحن أبناء الله وأحباؤه؛ وقد عذبهم الله في الدنيا، وسيعذبهم الله تعالى في الآخرة؛ فهذه دعوى.
إذاً: فليسوا من أولياء الله، وليسوا من أحباب الله، وكيف يكونون كذلك مع إصرارهم على تكذيب رسله، وارتكاب نواهيه، وترك فرائضه؛ ولذلك ذكر في هذا الحديث أن أولياء الله على درجتين: إحداهما: المقربون إليه بأداء الفرائض، وهذه درجة المقتصدين أصحاب اليمين، وأداء الفرائض أفضل الأعمال.