قال: ( وإن من عادى لله ولياً فقد بارز الله بالمحاربة، وإن الله تعالى يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء، الذين إذا غابوا لم يفتقدوا )، فهم كل ضعيف مستضعف، فحري أحدهم إذا خطب ألا ينكح، وإذا غاب ألا يفتقد، وهذه صفات أهل الجنة.
يقول: ( إذا غابوا لم يفتقدوا، وإذا حضروا لم يدعوا، ولم يعرفوا، مصابيح الهدى، يخرجون من كل غبراء مظلمة )، وهؤلاء الذين هذا حالهم إذا جاءت الفتنة الغبراء المظلمة المدلهمة أنجاهم الله تبارك وتعالى، ويقع فيها أولئك المتهافتون على الدنيا، وزخرفها، وزينتها، ومتاعها، وأبهتها.
قال الإمام ابن رجب: (فأولياء الله تجب موالاتهم، وتحرم معاداتهم، كما أن أعداءه تجب معاداتهم، وتحرم موالاتهم، قال تعالى: (( لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ ))[الممتحنة:1] -إشارة إلى أول سورة الممتحنة- وقال تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ))[المائدة:55-56]) وهذا ضمن الآيات العظيمة في سورة المائدة، وسيذكر بعد قليل أولها وما قبلها.
قال: (ووصف أحباءه الذين يحبهم ويحبونه) بالآية، أي قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ ))[المائدة:54]، وهذا تهديد، فلا يظن أحد من الناس أنه هو الذي يقوم به الدين أو الدعوة، فمن أنت؟! فالله تعالى هو الذي يقيم دينه بك أو بغيرك، فاحرص على الاستقامة، واعلم أنك أنت المحتاج إلى الله، وأنت المحتاج إلى أن تدعو إلى الله، وأما دعوة الله فهي في غنى عنك.
وقد كان الإمام المجاهد نور الدين محمود رحمه الله يقول له الناس: يا نور الدين ! لا تغامر ولا تخاطر بنفسك، وقد كان يتقدم في المعركة أمام الروم، فقالوا: فإنك إن هلكت أو قتلت ضاع الإسلام! فيتعجب ويقول: سبحان الله! إن الذي يحفظ الإسلام، ويقوم بالدين هو الله الذي لا إله إلا هو، فماذا يكون محمود ؟!
وذكروا أنه كان في مرة من المرات في المعارك فرأى جنده؛ وكانوا كلهم جنود منتقون في العبادة والصلاح؛ على قلة عددهم، فكان يقول: والله! لو كان معي ألف لا أنهزم في معركة، ألف فقط، وكان ينظر إلى جنده وينظر إلى الصليبيين وهم أكثر منهم عدداً وعدة فيقول: يا رب! إن هؤلاء أولياؤك، وإن هؤلاء أعداؤك، فماذا هذا الكلب محمود بينهم! يعني: لا تهزم المسلمين من أجلي، مع أنه لولا الله سبحانه وتعالى ثم هو ما خرج هؤلاء المسلمون، ولا جاهدوا، وهو الذي فتح البلاد واحدة تلو الأخرى؛ حتى مكن الله تبارك وتعالى به الدين، وهزم الصليبيين.