المادة    
يقول الإمامية: إذا افترضنا أن الإمام يخطئ ويذنب، فإذا فعل الذنب فواجب على الأمة أن تتبعه كما تتبع الرسول، فإذاً تتبعه في الذنب وإن لم تتبعه فهي عاصية؛ لأنها لم تتبعه وهو إمام مأمور أن تتبعه كما تتبع الرسول؛ قالوا: إذاً فالحل أن يكون معصوماً، فسبحان الله! كان الأصل فيهم أن يستدلوا بخطئه على عدم عصمته، ولكنهم عوضاً عن ذلك يثبتون له العصمة.
  1. الواقع شاهد بعدم عصمة الأئمة

    لكننا نقول: لا يمكن أن يكون الإمام معصوماً، والواقع يشهد بذلك، فهذا الحسين بن علي رضي الله عنهما، وهو الذي يدندنون ليل نهار بذكرى استشهاده، وينوحون عليه كنياحة الجاهلية، مع أننا جميعاً نألم لمقتل الحسين رضي الله عنه، لكن نعتقد نحن المسلمين أن مقتل الحسين بن علي ليس أشد ألماً من مقتل أبيه، ولا مقتل أبيه أشد من مقتل عمر بن الخطاب، ولا مقتل عمر أشد ألماً من موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك فلا نعمل هذه المناحات لوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا لمقتل علي، والشاهد هو: أن الحسين -وهو إمام معصوم- خرج من المدينة إلى الكوفة مخدوعاً بكلام الرافضة، الذين قالوا له: تعال لنبايعك ونحميك، ثم تركوه يلقى عدوه وحده مع أهل بيته، بل بعضهم قاتل مع عدوه، حتى كان ما كان من قتله واستشهاده، فأين قولهم: إنه إمام معصوم، لا يخطئ؟ وإذا كان ما فعله هو عين الصواب المأمور به، المتقرب به إلى الله، فلا يحق لهم أن ينوحوا عليه، ولا يحق لهم أن يتهموا غيرهم بالتقصير؛ لأن ذلك أمر الله الذي أمره به وهو عين الصواب! وإن قالوا: إنه أخطأ وخدع وخرج بغير أمر من الله، فقد أقروا أنه أخطأ، وأنه غير معصوم.
  2. عدم تحقق المصلحة من الأئمة يدل على عدم عصمتهم

    ويقال لهم أيضاً: أنتم تقولون: إن نصب الإمام ضرورة تقتضيها مصلحة العباد وتدبير أمورهم، ونظم شملهم، وإقامة العدل بينهم، وتبيين الأحكام لهم، ولذلك وجب أن يكون معصوماً كالنبي، لأن وظيفته النيابة عنه، فنقول: أيهما أنفع للأمة: إمام غير معصوم، ولكن رفع الله به الدين، وأعلى به كلمة الإسلام، وجاهد في الله حق جهاده، وقسم بين الرعية بالعدل، وأمَّن الطرق، وأقام الحدود، أم المعصوم الذي لم يفعل شيئاً من ذلك، ولم يستفد منه الناس، بل تضرر كثير من أتباعه، ولم تتحقق به مصلحة.
    وأيضاً أنتم تقولون: إن الغرض من الخلافة النيابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قبض النبي صلى الله عليه وسلم، وبقي هذا الدين يحرسه الخلفاء، فنسألهم: مَنْ مِنْ أئمتكم فعل ذلك؟
    إن أعظم أئمتهم هو علي رضي الله عنه، وقد تولى في زمن فتنة، وكان القتال بينه وبين المسلمين قائماً على ساق، وكان جهاد الكفار معطلاً، وأفضل ما عمل هو قتله للخوارج، وهذا عمل جليل بلا ريب، ولكنهم يعدون من المسلمين عند جمع من العلماء، بل عنده هو رضي الله عنه، أما من جاء بعده من أئمتهم فلم يحكموا، فـالحسن تنازل عن الخلافة، وغيره لم يحكم أصلاً، إذاً فحكمة الله بطلت بالكلية؛ لأنهم يقولون: إن من حكمته أن يكون الإمام كاملاً معصوماً، ليحرس الدين ويؤمن المسلمين، وهذا لم يقع لأئمتهم.
    ونحن نقول: إن الإمام بشر يخطئ ويصيب، ولكن الأفضل من هؤلاء البشر هو الذي يكون إماماً للمسلمين، وهؤلاء الذين كانوا أئمة فعلاً كـأبي بكر الذي هزم الله به المرتدين، وقطع دابرهم؛ وابتدأت الفتوحات في عهده، ثم جاء عمر رضي الله عنه ففتح الله له المملكتين: فارس والروم، فدانتا وخضعتا له، فكانا أنفع للمسلمين مع أنهما غير معصومين.