ونذكر أولاً حديث
أبي هريرة رضي الله عنه تعالى، وهذا الحديث يقول فيه الإمام
البخاري رحمه الله: حدثنا
محمد بن عثمان بن كرامة ، قال: حدثنا
خالد بن مخلد -وهو
القطواني -، قال: حدثنا
سليمان بن بلال ، قال: حدثني
شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، عن
عطاء، عن
أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم.. وذكر الحديث بطوله كما هو في
الأربعين النووية ، وزاد في آخره في نفس
الصحيح: (
وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي عن نفس عبدي المؤمن؛ يكره الموت، وأنا أكره مساءته ).وقوله: (عن نفس عبدي) أي: عن قبضه، والاختلاف في الألفاظ موجود في كثير من الأحاديث الصحيحة الثابتة وقد اختلف في
عطاء -كما سنذكر-: هل هو
ابن أبي رباح ، أو
عطاء بن يسار .. إلى آخر ما سيذكره.يقول: وهو من غرائب
الصحيح، ومقارنة الصحيح بغيره أمر معلوم؛ وخاصة إذا قورن بـ
المسند ، فإنه قلّ أن يوجد حديث في
الصحيحين إلا رواه الإمام
أحمد في
المسند ، فهذا الحديث من الغرائب التي وجدت في
الصحيحين ، ولم توجد في
المسند ، لكن جاء بلفظ آخر، ومن طريق آخر نذكره إن شاء الله تعالى، فهو من غرائب
الصحيح، وقد تفرد به
محمد بن عثمان بن كرامة شيخ
البخاري ، عن
خالد ، وليس هو في
مسند أحمد بهذا اللفظ، ومن هذا الطريق. و
خالد بن مخلد القطواني تكلم فيه الإمام
أحمد وغيره، وقالوا: له مناكير؛ وقال الإمام
الذهبي في
الميزان كلمة نفيسة: (لولا هيبة الصحيح لعدوه من منكرات
خالد بن مخلد القطواني) فكلام العلماء ومواقفهم درر وعبر، والإمام
الذهبي رحمه الله تعالى -وهو من هو في الرجال- كان من اليسير عليه أن يقول: ومع أنه في الصحيح إلا أنه من المنكرات وانتهى، لكنه قال: لولا هيبة الصحيح لعدوه من منكراته؛ حتى يبقى للعلماء هيبة، ولكلامهم قيمة، وللكتب التي تلقتها الأمة بالقبول، واحتوت على أصح ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يظل لها قيمة وهيبة في نفوس الناس.
فالعلماء الأجلاء الكبار الذين يعرفون العلل في المتون، وفي الأسانيد؛ يتورعون ويتحفظون، بينما تجد طالب العلم المبتدئ أو المقصر أو الضعيف يتسرع، ويتعجل في تخطئة أي إمام؛ سواء كان أحمد ، أو البخاري ، أو ابن حجر وغيرهم، وهذا دليل على قلة العلم، وقلة الأدب مع العلم وأهله.فيذكر الحافظ
ابن رجب أن
خالد بن مخلد هذا حاله، هذه العلة الأولى، والعلة الثانية ما ذكره
الحافظ في
الفتح من أن فيه
شريك بن عبد الله ، و
شريك -كما مر معنا في حديث الإسراء والمعراج- أنه زاد فيه ونقص، وقدم وأخر، فهذا يدل على اضطرابه وعدم ضبطه، فهذه علة، لكن لعل الحافظ
ابن رجب تجاوزها هنا لأنها ليست بعلة مؤثرة. ثم قال: العلة الثالثة: أن عطاء الذي في إسناده قيل: إنه
ابن أبي رباح ، وقيل: إنه
ابن يسار ، وقد وقع في بعض نسخ الصحيح منسوباً كذلك.قال: وقد روى هذا الحديث من وجوه أخر لا تخلو كلها عن مقال.