القطبية في الأئمة المجتهدين عند الصوفية
فيقول: (واعلم أن القطبية كما أنها قد تكون لولاة الأمور -من الحكام- فهي كذلك قد تكون في الأئمة المجتهدين) أي: كما أن الخلفاء قد يكون فيهم أقطاب فكذلك الأئمة المجتهدون في الفقه قد يكون فيهم أقطاب، بل هي فيهم أظهر، (ويكون تظاهرهم بالاشتغال بالعلم الكسبي حجاباً عليهم؛ لكون القطب من شأنه الخفاء) أي: اشتغال الأئمة الأربعة وغيرهم بالعلم الكسبي الظاهر، كأن يطلب العلم فيرحل إلى الشيخ الفلاني، فمثلاً الإمام الشافعي رحمه الله يذهب إلى الإمام مالك ويتعلم منه، ثم يذهب إلى بغداد ويقابل الإمام أحمد ويسأله عن مسائل وعن أحاديث، وهكذا الأئمة يتعلم بعضهم من بعض، يقول: إن هذا اشتغالهم بالعلم الظاهر حجاب فقط، وهم في الحقيقة أقطاب، ويصلون إلى العلم من غير أن يشتغلوا به، ومن غير أن يطلبوه ويرحلوا إليه ويأخذوه من أهله، والعلم الذي يعطوه علماً لدنياً، لكن يشتغلون بالعلم الظاهر، وبالرحلة في طلب العلم، وبالأخذ عن المشايخ والحلقات والحفظ والتأليف على سبيل الحجاب عليهم؛ لأن القطب لا يكون إلا مخفياً، إذاً كيف يظهرون؟ ولمن يظهرون؟ إن هذا شيء لا يعلمه أحد، حتى عن أهله لم يذكروه ولم يدعوه، ثم كيف عرفتموه أنتم بعد هؤلاء بقرون؟!يقول: (قال الشيخ محيي الدين : وقد اجتمعت بالخضر عليه السلام!) وهذا أحد الخرافات التي يذكرها كثيراً، (وسألته عن مقام الإمام الشافعي رحمه الله؟) أي: هل هو قطب أو وتد أو بدل؟ فقال: (كان من الأوتاد الأربعة)! إذاً هناك قطب، وهناك أفراد فيهم صفات القطبية، لكن لم يبايعوا، وتحت الأفراد الأوتاد الأربعة، قال: (فسألته عن مقام الإمام أحمد؟ فقال: هو صديق) ولا أدري ما يقصده؟ فهو ليس بوتد أو قطب أو بدل، والمهم أن هذا جوابه، ثم أطال في ذلك الكلام عن الأقطاب وأنواعهم.ثم يقول ابن عربي في بيان جعل الأوتاد أربعة: (إن الله تعالى جعل أربعة من الرسل في الدنيا أحياء بأجسادهم: ثلاثة مشرعون، وهم: إدريس وإلياس وعيسى، وواحد حامل للعلم اللدني وهو الخضر عليه السلام، وإيضاح ذلك أن الدين الحنيفي -الإسلام- له أربعة أركان كأركان البيت، وهي: الرسل والأنبياء والأولياء والمؤمنون، أي: أن الدنانير الأربعة صارت هي الأركان الأربعة، والرسالة هي الركن الجامع للبيت وأركانه، فلا يخلو زمان من رسول يكون فيه، وذلك هو القطب الذي هو محل نظر الحق تعالى من العالم كما يليق بجلاله).إذاً: لا بد أن يكون القطب دائماً موجوداً، وهو ركن الرسالة ويمثلها، ثم يقول: (فبالواحد منهم يحفظ الله تعالى الإيمان، وبالثاني يحفظ الله الولاية، وبالثالث يحفظ الله النبوة، وبالرابع يحفظ الله الرسالة) فتكون أربعة أركان وأربعة أوتاد، يقول الشيخ ابن عربي: (ولكل واحد من هؤلاء الأربعة من هذه الأمة في كل زمان شخص على قلبه نائباً عنه مع وجودهم، وأكثر الأولياء لا يعرفون القطب والإمامين والأوتاد لا النواب ولا هؤلاء المرسلون)، إذاً بالإضافة إلى هؤلاء الأربعة كل واحد له نائب، وبهذا نكون قد عرفنا تقريباً شكل الهرم: القطب والأفراد، ثم الأوتاد، وكل واحد من الأوتاد له نائب على مثل قلبه، يقول: أكثر الأولياء لا يعرفون القطب ولا الإمامين ولا الأوتاد ولا النواب، ولا هؤلاء المرسلون الذين ذكرناهم، ولهذا يتطاول كل أحد لنيل هذه المقامات، فكثير من شيوخ الطرق كل منهم يدعي أنه قطب أو بدل أو وتد إلى آخره، فيعلل ابن عربي هذا بأنهم يجهلون هؤلاء، يعني: أنه هو الوحيد الذي يعرف هذه الأقطاب والأوتاد، وشيوخ الطرق لا يفقهون ولا يعرفون هذا.