ثم يقول: (وقال
ابن عربي في
الفتوحات : القطب في كل زمان عبد الله، أو عبد الجامع المنعوت بالتخلق والتحقق بمعاني جميع الأسماء الإلهية بحكم الخلافة) أي: متخلق ومتحقق بجميع الأسماء الإلهية، وأحد الصوفيين المعاصرين الذين يدعون إلى الشرك والضلال في البلد الحرام والعياذ بالله يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم متحقق فيه هذا الشيء، وهم يجعلونه للنبي صلى الله عليه وسلم وللأقطاب ولمن شاءوا، فتحقق فيه النعوت أو الأسماء الإلهية نسأل الله العفو والعافية. ثم قال: (وهو مرآة الحق تعالى -تعالى الله عما يصفون-، ومجلي النعوت المقدسة، ومحل المظاهر الإلهية، وصاحب الوقت وعين الزمان، وصاحب علم سر القدر -نعوذ بالله- وله علم دهر الدهور).. إلى آخر هذا الكلام الذي لا يصح أن يوصف به أحد كائناً من كان. قال: (إلى أن يقول: فالقطب هو الرجل الكامل الذي حصل الأربعة دنانير، والتي كل دينار منها خمسة وعشرون قيراطاً، وبها توزن الرجال، والأربعة الدنانير هم: الرسل والأنبياء والأولياء والمؤمنون، فهو وارثهم كلهم رضي الله عنه). فتأمل كيف جعل الأنبياء والرسل والأولياء والمؤمنين أربعة دنانير، وكل دينار فيه خمسة وعشرون قيراطاً، والقطب وارث هؤلاء جميعاً؟!إذاً: لا شك أنه -والعياذ بالله- كما يزعمون أفضل من جميع الرسل مجتمعين، ومن جميع الأولياء والأنبياء، ومن جميع المؤمنين مجتمعين، إلى أن يقول: (فإن قلت: فهل يحتاج القطب في توليته إلى مبايعة في دولة الباطن؟) فهنا يتساءل
الشعراني ويجيب من كلام
ابن عربي فيقول: هل القطب الذي يحكم الباطن يحتاج إلى مبايعة، مثل الخليفة، أي: ما دام أن هذا له مرتبة الخلافة والنيابة عن الله كما يزعمون، فالخلافة في الظاهر يحتاج الخليفة إلى أن يبايعه أهل الحل والعقد، ويجتمع الناس عليه، وهم يريدون من هذا أن يكثروا من الأوصاف مما يمليه الخيال والشياطين.قال: (فالجواب: نعم، كما قاله الشيخ
ابن عربي في الباب السادس والثلاثين وثلاثمائة، وعبارته: اعلم أن الحق تعالى لا يولي قط عبداً مرتبة القطابة إلا وينصب له سريراً في حضرة المثال يقعده عليه) وينبئ صورة ذلك المثال عن صورة المكانة، كما ينبئ صورة الاستواء على العرش عن صورة إحاطته تعالى، فإذا نصب له ذلك السرير فلا بد أن يخلع عليه جميع الأسماء التي يطلبها العالم أو تطلبه، إلى أن يقول: (فإذا قعد عليه قعد بصورة الخلافة، وأمر الله العالم ببيعته على السمع والطاعة، في المنشط والمكره، فيدخل في تلك البيعة كل مأمور من أدنى وأعلى، إلا العالون وهم المهيمون في جلال الله عز وجل، العابدون لله تعالى بالذات، لا بأمر إلهي ظاهر على لسان رسول).فتأمل تجد أن من يعبد الله بالذات من غير واسطة الرسول، وأن أراد به الملائكة أو نوعاً من الملائكة فمن الممكن أيضاً أن يقال هذا، أي: أن الله تعالى خلقهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون، فلا يحتاجون أن يبعث إليهم رسولاً، لكن أيضاً يدخل في كلامه بعض البشر الذين يعبدون مباشرة، أي: يعبدون بالذات الإلهي من غير واسطة رسول، فيقول: (فهؤلاء كلهم يبايعون القطب ما عدا هؤلاء، فأول من يدخل عليه: الملأ الأعلى على مراتبهم الأول فالأول) يعني: جبريل وميكائيل وإسرافيل، (فيأخذون بيده على السمع والطاعة) قال: (ولا يتقيدون بمنشط ولا مكره)! وهنا ظهر التناقض مع قوله السابق: يبايعون في المنشط والمكره، ثم يقول هنا: (لأنهم لا يعرفون هاتين الصفتين فيهم) إذ لا يعرف شيء إلا بضده، فهم في منشط لا يعرفون لها طعماً لعدم ذوقهم للمكره. ثم يبين كيف أنه كلما يأتي واحد من هؤلاء يبايع القطب يسأله بمسائل من العلم ويجيبه القطب، ومعنى ذلك أن القطب يعلم كل شيء، وأشد من هذا يقول الشيخ: (وقد ذكرنا جميع سؤالات القطابة في جزء مستقل ما سبقنا إليه أحد)، أي: أن
ابن عربي يعلم حتى بالأسئلة التي يسألها الملأ الأعلى وغيرهم للقطب، فهو قد أحاط علمه بهذه الأمور التي لا يعلمها إلا خاصة الخاصة في الملأ الأعلى، ولا يجيب عليها إلا القطب والعياذ بالله. يقول: (قال الشيخ: وأول من يبايعه: العقل الأول)، وهذا كلام اليونان، (ثم النفس التي يسمونها النفس الكلية، ثم المقدمون من عمار السموات والأرض من الملائكة المسخرة، ثم الأرواح المدبرة للهياكل التي فارقت أجسامها بالموت) وهذا أيضاً من عقائد
الفلاسفة و
الباطنية وأمثالهم، (ثم الجن، ثم المولدات، ثم سائر ما سبح الله تعالى من مكان ومتمكن ومحل وحال فيه إلا العالون من الملائكة). فكل هؤلاء يبايعون القطب في خيال هؤلاء الضلال قاتلهم الله، قال: (وكذلك الأفراد من البشر).وهنا وضح معنى الذين لا يبايعون القطب نوعان: العالون من الملائكة الذين يعبدون بالذات، والأفراد من البشر الذين يتعبدون مباشرة من غير واسطة رسول؛ لأن الأفراد من البشر لا يدخلون تحت دائرة القطب، وما له فيهم تصرف، أي: لا يتصرف القطب في الأفراد، قال: (إذ هم كمل مثله، مؤهلون لما ناله من القطبية، لكن لما كان الأمر يقتضي أن لا يكون في الزمان إلا واحد يقوم بهذا الأمر تعين ذلك)، أي: من هو متأهل لصفة القطبية أفراد كثيرون، لكن لا يختار منهم قطباً إلا واحداً، والذين لا يختارون فهؤلاء لا يخضعون للقطب؛ لأنهم مثله في الكمال، ولكن لا يتعبدون بأي شريعة ولا باتباع أي رسول نسأل الله العفو والعافية.ثم يقول: (من خصائص هذا القطب كما ذكر الشيخ في الباب الخامس والخمسين ومائتين: أن يختلي بالله تعالى وحده)، وهذا من تصور الوثنيين من اليونان وغيرهم، إذ إنهم كما يرون أن لكل ملك وزيراً أو حاجباً يختلي به وحده ويتباحث معه، ثم يوكله في تدبير المملكة، فيجعلون ذلك لله -تعالى عما يصفون- وجعلوا القطب هو الذي يختلي بالله -تعالى الله عن ذلك- ثم يقول: (وهذه المرتبة لا تكون لغيره من الأولياء أبداً، ثم إذا مات القطب الغوث انفرد تعالى بتلك الخلوة لقطب آخر، فلا تقع الخلوة لفردين أبداً).