ذكر الشارح رحمه الله تعالى (أن الولي: من الولاية) -يريد أن يعرفها لغة- (بفتح الواو، التي هي ضد العداوة، وقد قرأ
حمزة: (ما لكم من وِلايتهم من شيء) بكسر الواو، والباقون -أي: بقية القراء- بفتحها، فقيل: هما لغتان) وهذا كثير ما تفسر القراءات به، فتكون القراءة على لغة من لغات العرب، وعلى هذا تصح كلا القراءتين أو كلا المعنيين لغة، فيجوز لك لغةً أن تجعل إحداهما مكان الأخرى، فتقول: ولاية -بفتح الواو- وولاية -بكسر الواو الثانية- لكن إذا كنت ممن يقرأ بقراءة معينة فتلتزم بها، وإن كان يجوز لك أن تلتزم قراءة قارئ آخر، فتقرأ بها وإن خالفت قراءة ذاك.وعليه؛ فإن أصل الخلاف في القراءة إنما هو في اللغة وهذا واقع، فإن الله سبحانه وتعالى يسر القرآن للذكر فأنزله على سبعة أحرف، فتكون قراءتان كل منهما تدل على نفس المعنى، وذلك إذا كانت الكلمة في سياق واحد؛ فإنه غالباً يكون المعنى الذي يفسر به واحد، وما دام تفسيرها واحداً مع الاختلاف في الحركة -الفتح أو الكسر أو غيرها- فإن المعنى واحد، فهما لغتان تدلان على معنى واحد، وإن كان أحياناً يكون اختلاف اللغة أو اختلاف القراءة يسبب اختلافاً في التفسير وفي المعنى، يقول: وقيل: (بالفتح النصرة، وبالكسر الإمارة) أي: أن من أعظم معاني الولاية النصرة، فإذا قلت: فلان ولي فلان، أي: نصيره ينصره ويؤيده، إذا قالت العرب: الولاية -بالفتح- فتعني بها النصرة والتأييد، وإذا قيل: الولاية -بالكسر- فيعنون بها الإمارة، كما إذا قيل: فلان عين فلاناً على ولاية
الشام ، أو تولى فلان ولاية
الشام أو ولاية
العراق، أي: تولى إمارتها. قال: (وقال
الزجاج) -وهو من أئمة اللغة المعروفين المشهورين-: (وجاز الكسر) أي: كأنه يرى أن الأصل هو الفتح، ثم قال: (لأن في تولي بعض القوم بعضاً جنساً من الصناعة والعمل، وكل ما كان كذلك فمكسور، مثل: الخياطة ونحوها) أي: أن عادة العرب أن تجعل كثيراً من الصنائع على وزن فعالة -بكسر الفاء- فتقول: الأصل في الصناعة أن تكون على زنة فعالة، فنقول: الحرافة الزراعة الحياكة الخياطة التجارة الصناعة الطبابة النجارة الحدادة الطباعة، وهذا قياس في اللغة، وعلى كل حال فهذا تخريج فلسفي -إن صح التعبير- من
الزجاج رحمه الله، فهو من المتأخرين وقد حاول أن يفلسف ورودها أو يخرجها بهذا الشكل، فالأصل الفتح، لكن جاءت على زنة (فعالة) لما فيها من جنس الصناعة، أي: كان هذا المتولي للآخر اتخذ ذلك حرفة أو مهنة له من جنس الصناعة والعمل، يقول: (الولي: من الولاية التي هي ضد العداوة) وهذا الموضوع غير مترابط، لكن لا بأس، فـ
شيخ الإسلام رحمه الله في
الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان كعادته يسترسل في الكلام، وتتداخل النصوص والأدلة مع اعتراضات الخصوم ورد الشبهة، ثم يرجع إلى المعنى الأصل، ثم يستطرد أحياناً، ثم يرجع وهكذا، فهو رحمه الله مثل البحر أو النهر المتدفق من كل جهة، فيتكلم عن مسائل حديثية ولغوية وأصولية، وما يقوله أهل وحدة الوجود والحلول والاتحاد والفقراء و
الصوفية ، وكل ذلك بعضه يمكن مع بعض. قوله: والولي. مشتق من الولي -بفتح الواو- وهو الدنو والقرب، يقال: وَلي يلي، قال
ابن مالك في المصادر:
فَعلٌ قياس مصدر المعَدَّى من ذي ثلاثة كعدَّ عدَّفالفعل الثلاثي المتعدي دائماً مصدره -فعل القياس- على وزن فعل، وفي هذا دليل على أن الشذوذ كثير في اللغة العربية خاصة في المصادر، وبالتالي يكون وزن فعل من وَلي: ولي، وليس الولاء أو الموالاة أو الولاية، وإن كانت أيضاً هي مصادر، لكن أصل الكلمة ثلاثي: ولي.فإذاً: (وَلِي) على وزن (فَعِل) إذا كان مشتقاً من الوَلْي -بفتح الواو- وهو الدنو والقرب، وهذا الذي نحن نستخدمه، فنقول: فلان يلي فلاناً، أي: قريب منه، و(ولي الله) هو من والى الله بموافقته في محبوباته، و(الولي) أو المتقرب إلى الله تبارك وتعالى هو الذي يطلب أو يرغب بعبادته ولاية الله؛ ولهذا تكون كلمة (الولي) من معانيها: الداني المتقرب، والنصير والمؤيد؛ ولذلك يطلق على الله تبارك وتعالى في القرآن أنه (ولي) ويطلق على العبد أنه (ولي) فهما من الأضداد، فهي في حق الله باعتبار كذا، وفي حق المخلوق باعتبار آخر، فإذا قرأنا قوله تعالى: ((
اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا ))[البقرة:257]، أي: ناصرهم ومؤيدهم ومعينهم، وقوله: ((
وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ ))[محمد:11]، أي: لا ينصرهم ولا يؤيدهم، وإن كان قد يقال: لم ينف عنهم الولاة مع أن الشيطان وليهم؟ وهل ينصر الشيطان أولياءه على الحقيقة؟ لا، وإنما يزين ويوسوس لهم، ويعدهم ويغرهم ويمنيهم، وهو في الحقيقة لا ينصرهم ولا يملك ذلك، أما الله تبارك وتعالى فإنه مالك الملك، وبيده النصر والتأييد، فهو الذي يؤيد بنصره من يشاء، وهو ولي الذين آمنوا وناصرهم.