والملحظ الثاني: قوله: إنهم يقولون إن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان، وهذه ثلاث جمل، وقد رجحنا أنه: قولٌ وعمل، وأن القول قولان والعمل عملان.أما هذه الثلاث الجمل فلا تُدخِل قول القلب، ولابد من أنهم يشترطون قول القلب، لكن هذه العبارة لا تفصل بين القول والعمل، ففي الكلام إجمال.ثم إن قوله: اعتقاد بالجنان وقولٌ باللسان وعملٌ بالأركان، يفهم منه أن كل جزء من هذه الأجزاء الثلاثة منفصلٌ عن الآخر، فالقلب منه الاعتقاد أو الإقرار، واللسان منه القول، والجوارح منها العمل.فإذا قلنا: عملٌ بالأركان فكأننا فصلناه عن عمل القلب، وعليه فإنه يمكن لقائل أن يقول: أنا عندي ركنان: اعتقاد بالجنان وإقرار باللسان، وليس عندي عمل بالأركان! وهذا الذي وقعت فيه
مرجئة الفقهاء .وأما نحن فنقول: الأصل أنها لا تنفصل، أي أن عمل الجوارح لا يمكن أن ينفصل عن عمل القلب.ومثال ذلك الصلاة، فقول القلب فيها أن يعتقد العبد أن الله تبارك وتعالى افترض عليه أن يؤدي الصلوات الخمس، وجعلها ركناً من أركان الإسلام، وأمره بها، فيفعلها بنية التقرب إلى الله تعالى، فعمل القلب هو الانقياد والإذعان والتزام العمل، واليقين، والإرادة الجازمة، ومحبة الصلاة، والخشية والخشوع.وأما قول اللسان في الصلاة فالتكبير والقراءة والتسبيح، وأما عمل الجوارح فالركوع والسجود.فمذهب
أهل السنة والجماعة ميسر وواضح وسهل.صحيح أن بعض الأعمال قد تكون من عمل القلب في الأصل، ولكن ينشأ منها أثر وهو عمل الجوارح، وبعض الأعمال هي في الأصل من عمل الجوارح، ولكن ينشأ منها أثر في القلب، والتلازم بين الباطن والظاهر، وبين عمل القلب وعمل والجوارح ليس بدرجة واحدة.