ولو قيل: أي المذهبين أقل فساداً مذهب الكرامية أو مذهب الجهمية ؟ فالجواب: أن مذهب الكرامية أقل فساداً من الآخر؛ لأن الذي لا يشترط الإقرار قوله أشد فساداً، وأما هذا الذي يشترط الإقرار فهو على الأقل قد ذكر شيئاً واضحاً يمكن التعامل على أساسه، وأما أولئك فيقولون: قد يكون مؤمناً ولم ينطبق بـ(أشهد أن لا إله إلا الله)، وهذا الكلام محال، وهذا هو الذي قال فيه السلف: لا يمكن أن يكون الإنسان مؤمناً لا ظاهراً ولا باطناً ما لم يشهد: أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فكيف تقولون أنتم إنه يمكن أن يكون مؤمناً؟! قالوا: لأن النطق ليس ركناً أصلياً، فمجرد أن اعتقاده الحق بقلبه يكفي، ولو مات، ولم ينطق فإنه يكون عاصياً؛ لعدم نطقه.
وهذا الكلام باطل؛ لأن من لم يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كافر وليس مجرد عاص، ولا ينفعه أنه اعتقد في قلبه أن هذا حق، أو عرف أن هذا حق.
ولهذا رتب المصنف رحمه الله المذاهب بحسب قربها من الحق، فالمذهب الأول هو الحق، والثاني أقرب، والثالث: فرع منه، ثم مذهب الكرامية ، ثم قال عن الذي بعده: وهو أظهر فساداً من القول الذي قبله، وبيّن بعد ذلك فساد مذهب الجهمية.
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.