الأدلة من السنة على حصول التكفير ببعض أهوال يوم القيامة
فالإنسان إذا فكر في هذه وجد أنها بإذن الله تعالى يمكن أن تكفي وأن تكفر عن بعض الناس، ومن أوضح الأدلة في هذا المقام الحديث الذي في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في تاركي زكاة بهيمة الأنعام، وفيه أن الإبل التي لم يؤد صاحبها حق الله تعالى فيها ( تأتي يوم القيامة كأغذ ما تكون وأكثره وأسمنه وآشره ) كمثل أكثر ما تكون في الدنيا سمناً وقوةً وبدانة، ( يبطح لها بقاع قرقر )، أي: يبطح صاحبها الذي كان في الدنيا يرعاها، وانظر إلى الخسارة، (( قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))[الزمر:15] ففي كل حياته كان يجمع هذه الإبل ويذود عنها ويسقيها ويرعاها ويهتم بها، ولم يؤد حق الله فيها وهو قليل، فيموت فيؤتى به يوم القيامة فيبطح لها بقاع قرقر، أي: في أرض منبسطة، وهي أسمن ما تكون وأبدن ما تكون، فتأتي جموعاً وراء جموع ( فتطؤه بأخفافها ) نسأل الله العفو والعافية ( فإذا جاءت أخراها أعيدت عليه أولاها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين الناس، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ) نسأل الله العفو والعافية. إذاً: يمتد العذاب بتارك الزكاة إلى أن يعذب بها خمسين ألف سنة، وبعد ذلك يرى سبيله، فإما من أهل الجنة وإما من أهل النار، فمثل هذا يحتمل أنه من أهل التوحيد ومن أهل النجاة وممن يدخلون الجنة ابتداءً، لكن وطأها له في الخمسين ألف سنة يكون قبل دخوله الجنة؛ لأنه قال: (فيرى سبيله) يعني: بعد هذا يرى سبيله، فهذا العذاب الذي حصل له والهول والكرب في المحشر يكون تكفيراً له ووقاية من دخول النار؛ لأنه قد يكون فيه الخير والصلاح، كأن كان يصلي أو يجاهد أو يذكر الله لكنه قصر في هذا الباب، فأهمل وسوَّف في زكاة ماله، فجاءه الموت وهو على هذه الحالة، ولم يمكن أن يطهر الله تعالى عنه بأعمال صالحة ولا بدعاء، ولم يجد من يدعو له، وكان بحكمة الله وبالميزان والعدل والقسط أنه لا بد من أن يعذب، ولكن ليس عذاباً يستمر به إلى أن يدخل النار، وإنما هو عذاب محدود بمدة الموقف في يوم كان مقداره خمسين ألف، سنة نسأل الله لنا ولكم الحفظ والحماية.