قوله تعالى: (النار يعرضون عليها غدواً وعشياً...)
وأما الآية الثالثة التي أوردها الإمام البخاري رحمه الله في الاستدلال على عذاب القبر؛ فهي آية معلومة لدى الجميع، وهي من أظهر الآيات عند أهل السنة والجماعة في إثبات عذاب القبر، وهي قوله تعالى: (( وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ))[غافر:45-46]، فذكر الله سبحانه وتعالى العقوبة التي أنزلها بآل فرعون، وأنه حاق بهم سوء العذاب، وفَسَّر ذلك بأنه النار، ثم فصل عز وجل ذلك بقوله: (يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا)، وهذا مما يدل على أنها ليست العذاب المقيم في الآخرة؛ لأن العرض بالغدو والعشي معناه أنهم لا يعذبون إلا في وقتين هما طرفا النهار.فهو ليس إيقاعاً لهم في حفرة النار -نسأل الله العفو والعافية-، وليس عذاباً دائماً، وإنما هو عرض في طرفي النهار: الغدو والعشي، ثم قال تعالى: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)، فعطف على العذاب الأول عذاباً آخر، فقال: (أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)، فهو عذاب شديد لأنه مقيم، ولأنهم يغمسون فيه غمساً -نسأل الله العفو والعافية- ويكونون في الدرك الأسفل من النار، فهذا لم يقيد بزمن وليس مجرد عرض، بل هو غمس وتعذيب في الدرك الأسفل من النار، نسأل الله أن يعافينا من ذلك، ففي هذا دليل جلي لمن تأمله على إثبات عذاب القبر.