قوله تعالى: (ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت...)
والإمام البخاري رحمه الله تعالى المعلوم فقهه وما قاله الأئمة فيه من أن فقهه رحمه الله في تراجمه، والمعلوم أيضاً فقهه ودقته في الاستدلال والاستنباط؛ قد عنون رحمه الله لموضوع عذاب القبر في كتاب الجنائز في الصحيح بقوله: (باب ما جاء في عذاب القبر)، واستدل بأدلة من القرآن ومن السنة على إثبات عذاب القبر، وذكر ثلاث آيات.الآية الأولى: هي ما ذكره الله سبحانه وتعالى في سورة الأنعام في قوله تعالى: (( وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ ))[الأنعام:93]، وموضع الشاهد قوله تعالى: (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ) بمعنى: حالما تخرج أرواحكم وتقع في أيدينا؛ لأن الكلام من الملائكة، أي: حالما يكون ذلك فاليوم تجزون عذاب الهون، أي: تعذبون.ففي الآية دليل على عذاب القبر استنبطه الإمام البخاري رحمه الله، ولو كان العذاب لا يقع -كما يقول نفاة عذاب القبر- إلا يوم القيامة لما كان لهذا الكلام معنى، وهو قولهم: (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ)؛ لأنهم يخاطبونهم في حال الاحتضار وفي حال النزع وفي حال قبض الروح وهم في غمرات الموت، تغمرهم سكراته وأوجاعه وآلامه من شدة النزع، والملائكة هم الموكلون بقبض الأرواح، كما قال الله سبحانه وتعالى: (( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ))[السجدة:11]، فهم ملائكة موكلون يتوفون هؤلاء، فيقولون لهم: (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ)، يؤنبونهم ويقرعونهم قائلين: عندما تخرج هذه الأرواح الخبيثة سوف تذوقون العذاب المذل المخزي المهين اليوم أو الآن، فـ(اليوم) تأتي بمعنى (الآن) في لغة العرب.فهذه إحدى الآيات التي استدل بها الإمام البخاري رحمه الله تحت عنوان (باب ما جاء في عذاب القبر).