المادة    
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأمور الناس تستقيم في الدنيا مع العدل الذي فيه الاشتراك في أنواع الإثم أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق وإن لم تشترك في إثم؛ ولهذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة، ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام".
لا يخرج شيء في هذا الوجود عن سنة الله أبداً؛ قال تعالى: ((وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا))[فاطر:43] هذه السنة لا تتغير ولا تتبدل؛ فقد جعل الله لكل شيء قدراً، وجعل للأمور أسباباً؛ إذا حصلت تلك الأسباب، حصلت النتائج، وهذا من عظيم حكمته كما أنه من عظيم رحمته سبحانه وتعالى.
فتتجلى حكمته عز وجل في أن يري الناس هذه السنن الثابتة، فيستنبطون منها ما به يعلمون كيف يعيشون، وكيف أن الحكيم الخبير سبحانه وتعالى -وهو رب كل شيء ومليكه- جعل أموره كلها على هذه السنة التي لا تتغير ولا تتبدل.
ورحمته تعالى تتجلى في أنه علم البشر ذلك وألهمهم إياه، فلو أن الأمم تقوم جزافاً، وتسقط وتموت بلا أسباب ثابتة يعقبها نتائج مؤكدة، لما علم الناس كيف يهتدون إلى السلامة، وكيف يطلبون الخير، وكيف ينأون عن الشر.
فهناك سنن ثابتة، ومنها هذه السنة الإلهية، وهي: أنه بالعدل تدوم الأمم وإن كان فيها الاشتراك في الإثم والمعاصي، فمن عامل الناس بالعدل، دام ملكه وإن أثم بغير الظلم، وأما من يظلم، فإنه وإن كان على شيء من الحق لكن تعسفه في هذا الحق وجوره فيه مؤذن بهلاكه.
ولذلك أشرنا إلى أن واقع أمم الكفر ودولها الآن هو التمكين والسيطرة، ولكنها سوف تذهب وتضمحل بإذن الله، فلكل أمة أجل، ولم يأت أجلهم بعد.
لكن ما هو سبب بقائهم؟ وما الذي يجعلهم يدومون ويسيطرون مع ما هم فيه من الكفر، وما هم فيه من الأمراض الاجتماعية والنفسية، والانهيار الأخلاقي والتفكك الاجتماعي؟
لابد أن هناك أموراً يستحقون بها البقاء، فما هي هذه الأمور؟
  1. العدل والمساواة سمة من سمات الروم قديماً وحديثاً

  2. الظلم سبب من أسباب انحطاط المسلمين