هذا هو السبب الأصلي الذي غلت وخرجت به الخوارج ، فكان مرتكبو الكبيرة الذي يتنازعون مع الأمة فيهم هم الصحابة رضي الله عنهم، وليس مرتكب أي كبيرة، لكن الجدل انتقل فيما بعد إلى كل من يرتكب الكبيرة؛ لأن الكبيرة الأساسية التي يرون أنها وقعت في الأمة هي الاقتتال، فضاقت نظرة الخوارج ، وهذا فيه عبرة وعظة يجب أن نعتبر بها، فقد ضاقت نظرتهم وضاق أفقهم، فقالوا: كيف يكون هؤلاء هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم حملة الحق وحملة الإسلام ومع هذا يتقاتلون فيما بينهم؟! لماذا لم يتفقوا؟
وهل من اللازم أن كل من كان على الحق لا يخطأ ولا يجتهد؟
ولهذا صرح بعض أهل الأهواء بنفوره من الجميع، وبعضهم مال إلى طائفة، وبعضهم -كـالخوارج - كفروا الطائفتين.
ولو كان لديهم شيء من الفقه أو اتباع أهل السنة والجماعة في الأمة لعلموا أن ما وقع من اقتتال إنما هو اجتهاد في إحقاق الحق لا ينقص فضل هذا ولا ذاك، وإن إحدى الطائفتين لها أجران والأخرى لها أجر واحد، وأنه لا بد للإنسان المسلم من أن يحفظ لكل منهما قدره، وأن يمسك عما شجر بينهم، ولهذا لما سئل عمر بن عبد العزيز عما جرى من الفتنة قال: [تلك دماء عصم الله منها سيوفنا، فلنعصم منها ألسنتنا] مع تقديرهم واعترافهم وإقرارهم بفضل هذه الأمة كلها، لكن فيما شجر بينهم نقول: (( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ))[البقرة:134]، وبذلك يسلم الإنسان في ذلك، فلا ينكر فضلهم ولا يخوض فيما شجر بينهم، إلا من كان من أهل العلم والاجتهاد الذين يبحثون في الأمر لمعرفة الراجح من المرجوح، أما من ظن أن المسألة تخرج إلى حد التضليل أو التبديع أو أسوأ من ذلك -وهو التكفير- فلا.
وعندما حدث هذا من الخوارج نشأت المرجئة التي تولدت وتربت في كنف الكوفة حيث الخوارج ، وحقيقة الأمر أن المرجئة هم شعبة من الخوارج في الأصل؛ لأن المختلف فيه هم الصحابة، فالخارجي يقول: علي كافر؛ لأنه خالف أمر الله، فيأتي خارجي آخر فيقول: لم يكفر، لأنه -وإن كان خالف أمر الله- كامل الإيمان، وهكذا يستمر الجدل يتناول مرتكب الكبيرة عموماً بسبب الغلو.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.