فنقول: متى نشأ الخلاف بين الأمة في موضوع الإيمان؟ وهل سبقه خلاف آخر؟ إذا قرأنا كتب الفرق والاختلاف نجد أنهم يقولون: إن أول خلاف نشأ في هذه الأمة في الخلافة، ويستدلون على ذلك بأن الصحابة اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة لاختيار الخليفة، فقال الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فقال المهاجرون: لا يجتمع سيفان في غمد. ثم اجتمعوا على إمامة
الصديق ، قالوا: فهذا أول خلاف وقع في الإسلام؛ لأنه وقع عقب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة قبل أن يدفن صلى الله عليه وسلم، وعليه فإن ما حصل أيام الإمام
علي من خلاف وفرقة متأخر عن هذه القضية، هكذا قال البعض. والحق أنهم لا يوافقون عليه؛ لأن ما جرى في السقيفة لم يكن خلافاً، إنما كان رأياً قيل، ثم أجمع على البيعة لـ
أبي بكر ، فليس ذلك خلافاً بالمعنى الذي يتحدث عنه أهل الفرق، إذ ما نشأت عنه فرقة وتبنته عقيدة ومنهجاً، فهذا في الحقيقة لا يعد خلافاً، ولا يصح أن يقال: إنه أول خلاف وقع في هذه الأمة، ومن قال به من الفضلاء فإنه يعترض عليه، فعلى هذا لا تكون الإمامة هي أول اختلاف؛ لأن الأمة أجمعت على خلافة
الصديق ، ثم على خلافة
عمر ، ثم أجمعت على خلافة
عثمان ، مع اختلاف كل منهم في سبب البيعة وكيفيتها، ثم أجمع على خلافة
علي ، فالخلفاء الراشدون حصل لهم من البيعة والإجماع على كل منهم -ولا سيما
أبي بكر و
عمر - ما لم يحصل لأي حاكم في تاريخ العالم، حتى في الدول القديمة الرومانية أو اليونانية التي يقال: إنها كانت ديموقراطية، وحتى في العالم المعاصر، مهما زعموا أو ادعوا أن أحداً أجمعت أمته أو شعبه على اختياره، بغض النظر عن دينه أو مذهبه، حقاً كان أو باطلاً؛ لأن هذه ميزة ميز الله تعالى بها الخلفاء الراشدين، ولهذا لما أرادت
الشيعة أن تطعن في هذه الميزة قالوا -قبحهم الله-: إن
أبا بكر لم تجمع عليه الأمة؛ لأن
مسيلمة الكذاب خرج! وهل
مسيلمة الكذاب يؤخذ رأيه في مثل هذه الأمور ويعتد بخلافه؟! فما حصل من الاجتماع على الخلفاء الراشدين طواعية واختياراً ورضاً دليل على أن الله اختصهم بما لم يختص به أحداً قبلهم ولا بعدهم، ولا شك في أن ذلك بسبب المنهج السليم الذي كانت عليه الأمة -والحمد لله- قبل أن تمزقها الأهواء والفرق، وبسبب الإيمان الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا القرآن وهذا النور وهذا الهدى وحد القلوب وربطها وأبعدها عن التنافس على حظوظ الدنيا، وجعلها تعرف لكل امرئ قدره دون أن يطالب هو به أو يصر أو يلح عليه، ففي ديننا أننا لا نولي هذا الأمر من سأله، ولو أن أحداً في الإسلام ترشح فإنه بمجرد ترشيح نفسه وقوله: انتخبوني -سواء أكان ذلك في إمامة عظمى أم في أصغر الولايات- وبمجرد أن يزكي نفسه ويراها أهلاً لذلك؛ يكون ذلك داعياً لأن يجتنب. فالشاهد أن أمر الإمامة كان إجماعياً، فلا يصح أن يقال: إنه أول خلاف وقع في هذه الأمة، وقد مضى عهد
أبي بكر ولم تختلف الأمة ولم تتنازع في شيء، وكذلك في عهد
الفاروق لم يختلفوا ولم ينازعوا في شيء من أصول الدين، أما اختلافهم في بعض الأحكام الفرعية فليس هو المقصود هنا.