ويقول السري السقطي -وهو أيضاً من أصحاب السقطات التي يعدونها من الكرامات-: رأيت كأني وقفت بين يدي الله. وكل كلامهم مخاطبات مع الله، تعالى الله عما يقولون! يقول: فقال الله: يا سري ! خلقت الخلق فكلهم ادعوا محبتي، فخلقت الدنيا فذهب مني تسعة أعشارهم وبقي العشر، فخلقت الجنة فهرب مني تسعة أعشار العشر وبقي معي عشر العشر، فسلطت عليهم ذرة من البلاء فهرب مني تسعة أعشار عشر العشر، فقلت للباقين: لا الدنيا أردتم، ولا الجنة أخذتم، ولا من النار هربتم، فماذا تريدون؟! قالوا: إنك لتعلم ما نريد. فقلت لهم: فإني مسلط عليكم من البلاء بعدد أنفاسكم ما لا تقوم له الجبال الرواسي، أتصبرون؟! قالوا: إذا كنت أنت المبتلي لنا فافعل ما شئت. فهؤلاء عبادي حقاً!
وهذا منافٍ لحكمة الله تعالى، فالله ما جعل علينا في الدين من حرج ولله الحمد، وقد أجاب تعالى المؤمنين لما دعوا ربهم فقالوا: (( وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ))[البقرة:286] فقال: قد فعلت. وكذلك بعث النبي صلى الله عليه وسلم بالحنيفية السمحاء، وكذلك من قبله من الرسل أصل دينهم سمح ميسر, وإنما جعلت الأغلال والآصار على أقوامهم بذنوب ارتكبوها، كما قال تعالى: ((فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ))[النساء:160] فأصل الدين يسر، أما أنه لا يفوز برضا الله إلا من يسلط عليهم البلاء بعدد أنفاسهم ما لا تقوم له الجبال الرواسي؛ فهذا من التكليف بما لا يطاق، نعم من آمن بالله واليوم الآخر، ودافع عن دين وجاهد في سبيل الله لا يريد بذلك إلا وجه الله فإنه يلاقي من الشدة والبلاء كثيراً، ولكنه مع ذلك أيضاً يلقى من النعيم والطمأنينة ومن السعادة ومن الراحة الشيء العظيم، فليس هناك بلاءً محضاً، ثم إنهم يدعون الله أن يبلغهم جنته على هذا البلاء ويعيذهم من ناره، لا كما يزعم هؤلاء.
ويذكر عن عبد الأعلى أنه قال: رأيت أبا عبيدة الخواص على سوأته خرقة وعلى رقبته خرقة. وهل كان هذا هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة؟! لقد قال تعالى: (( يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ))[الأعراف:31]، فهذا جعل نفسه من العراة، والحكماء العراة هم أيضاً من الهنود القدماء، واسمهم كذلك إلى اليوم، أي: الحكماء أو الفلاسفة العراة، يمشون عراة في الغابات ويتدينون بذلك، يقول الواحد منهم: واشوقاه لمن يراني ولا أراه! فهل هذه هي المحبة الحقيقية والعبادة الحقيقية التي يريدها الله تبارك وتعالى؟!
وهؤلاء -كما يزعم- هم تيجان العباد، ولكننا نعلم أن تيجان العباد هم الذين أحبوا الله حق المحبة، هم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، ولم يفعلوا هذه الأفاعيل أبداً.