وهنا نذكر كلاماً لبعض الأشعرية ، وهو الرازي الذي أصل هذه القضايا في كتابه أساس التقديس ثم الإيجي وأمثالهما، وقبلها ننقل كلام ابن القيم رحمه الله إذ يقول: وأما المقام الرابع: وهو إفادتها للعلم واليقين فنقول وبالله التوفيق: الأخبار المقبولة في باب الأمور الخبرية العلمية أربعة أقسام: أحدها: متواتر لفظاً ومعنى، والثاني: متواتر معنى وإن لم يتواتر لفظاً، والثالث: أخبار مستفيضة متلقاة بالقبول بين الأمة، والرابع: أخبار آحاد مروية بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط عن مثله حتى تنتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأما القسمان الأولان: يعني ما عدا المستفيض والآحاد فمثل قوله صلى الله عليه وسلم: ( من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ) فهذا متواتر لفظه ومعناه، فيصح مثالاً للمتواتر لفظاً ومعنى، وأما حديث رفع اليدين في الدعاء فهو متواتر معنى لا لفظاً، ومثله حديث عذاب القبر ونعيمه، وحديث الحوض، والشفاعة، والمسح على الخفين فهذه الأحاديث معناها واحد نقله الكافة عن الكافة، والجمع عن الجمع ممن يستحيل تواطؤهم عادة على الكذب، ولكن ليس بلفظ واحد، فرواه فلان وفلان من الصحابة كل منهم بطريقة معينة، فلو قرأناها كلها فسنجد أن هذا الحكم الذي أفادته متواتر في المعنى.
إذاً: فما تواتر معنىً فقط فكالأخبار الواردة في عذاب القبر والشفاعة والحوض ورؤية الرب تعالى، وتكليمه عباده يوم القيامة، وأحاديث علوه فوق سماواته على عرشه، وأحاديث إثبات العرش، هذا في غير الآيات وإلا فالأمر ثابت في القرآن، ومثلها الأحاديث الواردة في إثبات المعاد والجنة والنار، ونحو ذلك مما يعلم بالضرورة العقلية التي لا تقبل الجدل أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بها، كما يعلم بالاضطرار أنه جاء بالتوحيد وفرائض الإسلام وأركانه، وجاء بإثبات الصفات للرب تبارك وتعالى، فإنه ما من باب من أبواب العقيدة، كالشفاعة والحوض والميزان، وعذاب القبر، والعلو والعرش وغيرها إلا وقد تواتر فيه المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم تواتراً معنوياً، ونقل ذلك عنه بعبارات متنوعة من وجوه متعددة، ويمتنع بمثلها في العادة التواطؤ على الكذب عمداً أو سهواً، فمثلاً في مسألة العلو نجدها في أحاديث النزول، وفي أحاديث الإسراء والمعراج وهي تدل على العلو، وعندنا أيضاً أحاديث صريحة في العلو كما في حديث: ( أين الله؟ قالت: في السماء ) فهذه مجموعة كثيرة ومتنوعة تفيد بمجموعها قطعاً أنه سبحانه وتعالى ثابت له العلو، وأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء بهذا من جملة ما جاء به من الدين، كما أنه جاء بالصلوات الخمس التي لا يشك الناس جميعاً في مجيء الرسول بها وبأعدادها.