‏الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن المتواتر والآحاد وإفادتهما للعلم، واليقين محل خلاف بين أهل السنة والجماعة وبين الطوائف الضالة المنحرفة، والكلام هنا مع المبتدعة هو في رأيهم في المتواتر والآحاد والتفريق بينهما، وكما هو معلومٌ أن علماء المصطلح يقسمون الحديث إلى متواتر وآحاد وربما قسموه إلى متواتر وما دون ذلك فيقسمونه إلى غريب ومشهور ومستفيض، وقد يجعلون المشهور هو المستفيض، والمقصود أن علماء الحديث كما في كتب المصطلح المعروفة لهم تقسيمات في هذا الشأن، ولكن ما يقوله علماء الحديث وعلماء المصطلح رحمهم الله والمحدثون إنما هو من باب الاصطلاح، ولهذا سموه: علم مصطلح الحديث، فهذا تقسيم اصطلاحي لا يعنون به أن الحديث الذي لم يروه إلا واحد عن واحدٍ -وهو الغريب- لا يقبل، أو أنه لابد للاحتجاج به أن يكون متواتراً أو مشهوراً، ولا يترتب على ذلك أثر في أنه يجب على الإنسان أن يعمل بمقتضى هذا الحديث ويتلقاه بالقبول إذا صح واستكمل الشرائط المعروفة، فهذه القسمة الاصطلاحية إنما جعلت فقط للتمييز بين كون هذا مثلاً مرفوعاً وهذا موقوفاً، وهذا مرسلاً، فيميزون بين هذه الدرجات ليعرف طلاب العلم الفروق بينها، ولا يترتب على ذلك رد أي شيء من السنة، وهذا نقوله حتى لا يستشكله البعض فيظن أن ما يقوله المتكلمون والمنكرون لحجية خبر الآحاد هو نفس ما يقوله علماء الحديث.
أما الأصوليون فبعضهم من أهل السنة ومن أهل الحديث قسموا الأحاديث كتقسيم علماء المصطلح، وأما بعضهم فهو من أهل البدع ومن أهل الكلام والضلال يعتمد على كلام المتكلمين مثل علماء أصول المعتزلة وأشباههم، وأهل البدع عندما يقسمون الأحاديث إلى متواتر وما دونه فإنهم يعنون بذلك أن ما دون المتواتر يرد ولا يفيد العلم، وبعضهم يقول: إنه لا يفيد العمل أيضاً، وبعضهم يقول: لا يفيد العمل لا في العلميات ولا في العمليات إلى آخر ما بينهم من تفاوت.