ثم يقول: "ولما كان العمل لا بد فيه من شيئين: النية والحركة" حقيقة العمل أن الإنسان أتاه بعزيمة ونية وحركة في الواقع، "كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {
أصدق الأسماء حارث وهمام} فكل أحد حارث وهمام له عمل ونية" أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها حارث وهمام، وإنما كان هذان الاسمان أصدق الأسماء؛ لأنهما مطابقان للواقع؛ لا يقتضيان مدحاً أو ذماً لذاتهما، فهذا أفجر خلق الله فرعون: حارث، لكنه حرث الكفر والشرك والعناد والجحود، وهمام لأن كل الأعمال التي عملها جاءت عن هم ونية وعزيمة.
وأفضل خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم حرث الخير العظيم الذي لم يأت أحد بمثله.
"فكل إنسان حارث، وكل إنسان همام" إن نظرنا إليه من جهة عمل القلب، فهو همام؛ لأن كل إنسان في كل وقت يهم بشيء؛ يحدث نفسه: غداً أعمل مشروعاً.. سأدرس.. سأتخرج.. سأبني بيتاً.. سأتزوج.. سأعمل كذا..
والحرث هو الحركة والعمل، هذا هو أصل جميع البشر، ولهذا فلا بد أن يكون الحرث والهم موافقاً لدين الله وشرعه، فتنوي الخير وتعمله.
يقول: "فكل أحد حارث وهمام؛ له عمل ونية" وبذلك فسر
عبد الله بن عباس قوله تعالى: ((
قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ))[الإسراء:84] أي: على نيته وعلى وجهته وطريقته؛ فاليهود مثلاً يعملون على شاكلتهم ووجهتهم، ولذلك يريدون أن يأخذوا بلاد المسلمين، ويقضوا على دينهم، ويفسدوا شبابهم، وهم يخططون لإغواء الفتيان والفتيات، فهؤلاء يعملون على منهجهم ونيتهم، والمؤمنون الأخيار يعملون على منهجهم ونيتهم، وبحسب إرادتهم من الأعمال الصالحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإعلاء كلمة الله، والجهاد في سبيل الله.
يقول: "لكن النية المحمودة التي يتقبلها الله ويثيت عليها أن يراد الله بذلك العمل" هنا نية وهم محمود، والعمل المحمود الصالح هو المأمور به؛ لأن {
من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} أي: مردود على صاحبه، لا ينفعه ولا يتقبل منه، ولا يجازى عليه خيراً؛ بل يجازى عليه بالشر بعكس ما كان يظن، يقول: "ولهذا كان
عمر بن الخطاب يقول في دعائه: [[
اللهم اجعل عملي كله صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه شيئاً]] " وهذا من كمال فقه
السلف .