الدليل الثالث: قوله عليه الصلاة والسلام: (إني لأرجو أن أكون...)
ثم قوله صلى الله عليه وسلم أيضاً في الحديث الذي رواه الإمام مسلم رحمه الله، وكذلك البخاري رحمه الله من وجه آخر: ( إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله )، وهذا في قصة سؤال النفر الثلاثة عن عبادته صلى الله عليه وسلم، إذ إنهم تقالوها، ثم في نهاية الحديث قال عليه الصلاة والسلام: ( إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأتقاكم له ) كما في الرواية الأخرى، فهل كلمة: (أرجو) هنا للتردد أو للشك؟ إنها بمعنى الاستثناء، ولذلك ورد من جملة كلام السلف: أنه إذا قيل لأحد: أمؤمن أنت؟ قال: أرجو، وهذا جعلناه في قسم الذين يستثنون؛ لأنه قال: أرجو، وما جزم بأن قال: نعم، وبالتالي فمن يوجب الاستثناء يقول: هذا دليل لنا، والشاهد أن قوله صلى الله عليه وسلم: (أرجو) ليس فيما هو محل الشك، إذ لا شك ولا ريب أنه صلى الله عليه وسلم أخشى الأمة وأتقاهم وأعرفهم بالله، وليس في ذلك شك، ونحن لا نقصد بكلامنا هنا الاستثناء اللغوي الذي يكون بإلا أو بغير أو خلا أو عدا أو حاشا إلى غير ذلك من الحروف أو أفعال الاستثناء، لكن نقصد الاستثناء بمعناه المعنوي البلاغي وليس النحوي، وكما ذكر الطبري رحمه الله فقال: أي صلة يوصل بها قول العبد: أنا مؤمن، فهي استثناء، أي: إذا قال: أنا مؤمن فيما أرجو، وفيما أحسب، أرجو أن أكون مؤمناً، أنا مؤمن إن شاء الله، أنا مؤمن إن سلمت من المعاصي والذنوب، أنا مؤمن إن تقبل مني عملي، فكل هذه استثناء. إذاً: فهذه ثلاثة أدلة لمن يرون الاستثناء ويقولون: إن ذلك لا يقتضي الشك.