الدليل الأول: قوله تعالى: (لتدخن المسجد الحرام...)
أما الآية فواضحة في الاستدلال بها، وذلك أنها من كلام الله تبارك وتعالى، وهو الذي وعد رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك: (( لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ ))[الفتح:27]، فهذا من الله، والله تعالى علام الغيوب، والله تعالى يعلم أنهم سيدخلون المسجد الحرام، وأنهم سيدخلون بهذه الصفات، ومع تأكيده سبحانه لهذا إلا أنه علقه بالمشيئة: (إن شاء الله)، مع تحقق وقوعه وعلمه عز وجل بذلك، ونحن نعلم أن الله سبحانه وتعالى يعلم كل شيء، فهو يعلم ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، وهو كتب في الذكر كل شيء كما في الحديث الصحيح من حديث عمران بن حصين : ( إنه كتب كل شيء قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة )، وفي صحيح مسلم أيضاً من حديث عبد الله بن عمر : ( قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة كتب في الذكر كل شيء، وأول ما خلق القلم... )، أي: أن أول ما خلقه الله تعالى: القلم، ثم أمره أن يكتب فكتب كل ما هو كائن إلى قيام الساعة، فإذا أخبر الله تبارك وتعالى عن أمر أو خبر تضمن المشيئة، أو قول: إن شاء الله، فلا يمكن أن يحمل ذلك على الشك؛ لأن الشك إنما هو نتيجة تردد وضعف العلم وعدم اليقين، أي: أن عنده ظن لكن غير مستيقن، وهذا هو الشك، والإنسان يشك لأنه غير موقن، أما الله تبارك وتعالى الذي صفته وعلمه -كما ذكرنا- لا يمكن أن يتطرق إلى خبره الشك، فهذا دليل واضح على جواز أن يقال: إن شاء الله فيما لا شك في وقوعه.