وهناك شيء مهم أرجو أن تتنبهوا له وهو: أن المذاهب الأخرى غير عقيدة أهل السنة والجماعة تتطور وتتغير وتتداخل وتتمازج، كما رأينا في مبحث الصفات وتطور مذهب الأشعرية فيها، وكذلك هذه المسألة، فمن الأشعرية القدامى طائفة خالفت كلام الطائفة المعتمدة -ومنهم أبو الحسن- في موضوع الإيمان، وقالوا: إن الإيمان يزيد وينقص، وهو قول وعمل كما قال السلف، وكان منهم من خالف في بعض النصوص الأصول أيضاً ومنها هذه المسألة التي راعى فيها ابن كلاب موضوع الموافاة، فـالأشعرية في مسألة الموافاة اتبعوا كلام ابن كلاب ، فأوجبوا الاستثناء، مع أنه متناقض وأما الذين بقوا على الأصل من المرجئة فهم الذين قال فيهم الشيخ: (وأما من يحرمه فهم من جعل الإيمان شيئاً واحداً) لكنهم تناقضوا.
وليس هذا بالتناقض الوحيد في مذهب الأشعرية ؛ لأنه مذهب تركيبـي توفيقي كما يسمونه، فهو مركب من عدة مذاهب، فجملة من مسائله مأخوذة من مذهب المعتزلة ، وجملة مأخوذة من مذهب الجهمية ، وجملة مأخوذة من كلام السلف، فتركب منها المذهب الأشعري فصار متناقضاً، وأما المعتزلة فقد مشوا على منهج واحد معروف ومحدد، وأهل السنة والجماعة في مقابلهم كذلك، فلا تناقض عندهم ولا اضطراب في أي مسألة على الإطلاق أبداً كما سنبين إن شاء الله تعالى؛ وحتى الاختلاف في الاستثناء في الإيمان فإن لكل قول اعتبار وتعليل، وكلاهما على الحق، فلا تناقض ولا اضطراب.
والأشعرية لما أخذوا من هذا تارة ومن هذا تارة وقعوا في الاضطراب والتناقض، فهم يقولون: إن الإيمان شيء واحد؛ ومع ذلك فهم يوجبون الاستثناء، فإذا قيل لهم: كيف تجعلونه شيئاً واحداً، ثم توجبون الاستثناء؛ فإنه إذا قال: أنا مؤمن إن شاء الله؛ وهو شيء واحد فماذا بقي عنده؟ قالوا: هذا باعتبار الموافاة على الغالب كما في كلام شيخهم أبي بكر الباقلاني ، فإنه يقول: هذا باعتبار الموافاة، فنحن لا ندري بما يوافي به العبد ربه، فعليه أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله؛ لاحتمال أن يموت على غير الإيمان.