المرتبة الثانية: تلازم المعطوفين
أما الدرجة الثانية من درجات التغاير فقال: [ويليه: أن يكون بينهما تلازم]، بأن يكون كل منهما مستقلاً عن الآخر، فليس هو الآخر ولا جزءاً منه، ولكن بينهما تلازم بحيث يلزم من وجود أحدهما وجود الآخر. قال: [كقوله تعالى: (( وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ))[البقرة:42]] وهذه الآية فيها خطاب لأهل الكتاب أن لا يلبسوا الحق بالباطل، فهذا هو المعطوف عليه، والمعطوف هو أن لا يكتموا الحق، فلبس الحق بالباطل شيء، وكتم الحق شيء آخر، لكن المتأمل سيجد أنه يلزم من لبس الحق بالباطل كتم الحق، ويلزم أيضاً من كتم الحق لبس الحق بالباطل، فهما متلازمان، وكل منهما يلزم منه الآخر ويؤدي إليه وينشأ عنه، ومثل ذلك قوله تعالى: [(( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ))[المائدة:92]] فهما متلازمان، فمن أطاع الله فقد أطاع الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: (( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ))[النساء:80] وكذلك من أطاع الرسول فقد أطاع الله، فيلزم من طاعة الله طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويلزم من طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم طاعة الله، فهما متلازمان، وليس أحدهما عين الآخر؛ لأن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم هي باعتباره مبلغاً مؤدياً لرسالة الله، أما طاعة الله تعالى فهي باعتبار أن هذا حق الله علينا، فهو خالقنا ورازقنا وربنا ومعبودنا وإلهنا، فلا بد أن نطيعه لكن كيف نطيعه، ويلزم من طاعته؟ أن نطيع رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا يستلزم هذا، وهذا يستلزم هذا.