الحالة الثانية: أن يذكر الإيمان ويذكر معه الإسلام في آية واحدة أو في حديث واحد، وذلك مثل قوله تعالى: ((
قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ))[الحجرات:14].فالإسلام والإيمان إذا ذكرا مقترنين فيكون المراد بالإيمان الأعمال الباطنة، وبالإسلام الأعمال الظاهرة، ومثال ذلك حديث جبريل، وهو واضح في هذا؛ لأن جبريل لما سأل: (
أخبرني عن الإسلام..) فسره صلى الله عليه وسلم بالأركان الخمسة، وهي الأعمال الظاهرة، ولما سأله عن الإيمان فسره له بالأركان الستة، وهي الأعمال الباطنة.فإذاً: الإسلام والإيمان إذا ذكرا معاً فالإسلام ينصرف للعمل الظاهر، والإيمان ينصرف للعمل الباطن، وأعلاهما درجة هو الإيمان؛ لأن العمل الظاهر هو ثمرة للعمل الباطن، فثمرة إقرار المؤمن واعتقاده هو هذا العمل، فيصلي ويصوم ويلتزم بالأحكام الظاهرة، فـ
إذا دخل الإيمان في القلب ورسخ أثمر زيادة في الذكر والصلاة، وإذا زاد إيمانه الباطن زاد خشوعاً؛ لأن الخشوع هو الجزء الباطن من الصلاة، وزاد محافظة عليها وحرصاً عليها، وهكذا في الزكاة والإنفاق وهكذا في بقية الأعمال، ولذلك قال الله تعالى في حق الأعراب: ((
قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا ))[الحجرات:14] فنفى الإيمان عنهم، ثم قال: ((
وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا ))[الحجرات:14] فأرشدهم إلى أن يقولوا: أسلمنا، وهم وإن كانوا قد آمنوا من حيث الأصل بمعنى: الإقرار بالدين وانقادوا في الظاهر، فأصبحوا من جملة المسلمين، لكن لم يدخل الإيمان في قلوبهم، فكأنه قال لهم: الإيمان الذي تقصدونه أنتم إلى الآن لم يدخل، لكنه غير بعيد؛ لأن (لما) تدل على أن الحدث لم يقع، لكنه قريب الوقوع بخلاف (لم) فهي تفيد نفي مجرد وقوع الحدث، ولذا جاء بعد هذه الآية إيضاح مفهوم مهم، وهو أنه إذا كنتم تريدون معرفة المؤمنين، وتريدون أن تكونوا مثلهم ومعهم، وأن تستحقوا اسمهم فهم من قال الله فيهم: ((
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ))[الحجرات:15]، أي: فهذه هي صفتهم، ومن صفاتهم قول الله تعالى عنهم: ((
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ))[الأنفال:2]، فليس مجرد من أذعن وأقر، وأدى بعض الأعمال الظاهرة يصبح مؤمناً، بل ذلك مسلم، والمؤمن هو من دخل الإيمان في قلبه. إذاً: الإسلام والإيمان إذا ذكرا معاً انفرد هذا بمعنى وانفرد هذا بمعنى، ويذكر العلماء قاعدة في الفرق بين الإسلام والإيمان ويقولون: إن الإيمان والإسلام إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، بمعنى أنه إذا جاء لفظ الإسلام في نص فيكون معناه: الأعمال الظاهرة والباطنة، وإذا جاء لفظ الإيمان في نص فيكون معناه: الأعمال الظاهرة والباطنة معاً، وهذا لا ينفي أن بينهما عموم وخصوص من وجه، يعني: ليس أحدهما عاماً عموماً مطلقاً، والآخر خاصاً خصوصاً مطلقاً، بل بينهما عموم وخصوص من وجه، فإذا نظرنا إلى حقيقة الإيمان ومفهومه ودلالته فهو أعم؛ لأنه يشمل الإسلام، فالإيمان أعم من حيث حقيقته، أي: أن الإنسان يبدأ أولاً بالإسلام، ثم بعد ذلك يدخل الإيمان في قلبه ويزداد إيماناً، فتكتمل فيه شعب الإيمان، وأما الإسلام فهو الانقياد وأداء الأعمال الظاهرة، فإذا ازداد العبد إيماناً ازداد عمله الظاهر، فالذي لا يزال في مرتبة الإسلام إذا أذن المؤذن مثلاً فإنه ينتظر إلى الإقامة، ثم يذهب للصلاة متباطئاً، ويصلي أحياناً في المسجد، وأحياناً في البيت، فهذا من أهل الإسلام، لكن صاحب الإيمان كلما قوي إيمانه قويت علاقته بالمسجد وبالصلاة، فيخشع فيها ويتدبر ويتفكر في الآيات. فالإيمان أعم، ولذلك فالأعراب مسلمون لكنهم غير مؤمنين؛ لأن الإيمان لم يدخل في قلوبهم على الحقيقة، فالإيمان أعم باعتبار المعنى، ولكن من جهة الأفراد، فالإسلام أعم؛ لأن المسلمين أكثر من المؤمنين. إذاً: فالقاعدة على هذا أن نقول: كل مؤمن مسلم، ولكن ليس كل مسلم مؤمناً .