يقول: (وقال تعالى: (( وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا ))[التوبة:124]) فكان حال المؤمنين هكذا والحمد لله، وكان الجيل الأول من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم لا تنزل آية إلا ويزدادون إيماناً، فيأتي السائلون يسألون: أيكم زادته هذه إيماناً؟ وهؤلاء السائلون قد يكونون من المؤمنين فيستبشرون ويسأل بعضهم بعضاً، وقد يكونون من المنافقين وممن في قلوبهم مرض؛ لأن دأب المنافقين هو الإرجاف وإحداث البلبلة والخلخلة والفوضى، فكلما جاء أمر من عند الله، أو كلما نزل شيء من السماء يأتي هؤلاء ويقولون للمؤمنين: ماذا ترى في هذا الأمر الذي نزل؟ فإن وجدوه مؤمناً موقناً -وهذا حال الصحابة والحمد لله- يئسوا وذهبوا من عنده، وإن وجدوا رجلاً رأى في هذا الأمر المشروع أمراً شاقاً أو صعوبة بدأوا يخذلونه قليلاً قليلاً، وكأنهم يختبرون ويبتلون الناس بمثل هذا، أو يقيسون النبض -كما يقال- ليروا ما أثر هذه الآية، فإن كان من أهل الإيمان واليقين قال: صدق الله ورسوله، وهو من عند الله، فإن كان أمراً فنسمع ونطيع، ولا نقول كما قال أهل الكتاب: سمعنا وعصينا، وإن كان خبراً نقول: آمنا وصدقنا ولا نكذب، ولا نقول: هذا لا يعقل، أو هذا يتنافى مع ما أخبرنا به الأجداد والأولون أو ما جاء في الكتب السابقة أو ما أشبه ذلك، فإن كان كذلك يئسوا منه، وإن وجدوا على أحد غرة من ضعاف الإيمان؛ فإنهم يعملون لاستدراجه ليصبح ضعيف الإيمان، أو مريض القلب، وفي النهاية يصبح منافقاً نفاقاً أكبر كحالهم -والعياذ بالله- فيقع منهم هذا وهذا، فيجيب الله تبارك وتعالى ويقول: (( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ))[التوبة:124]، فالمؤمنون يفرحون إذا نزل شيء من عند الله، وكلما أتى الوحي من السماء فهو خير وبركة ونور وهداية وحكمة وموعظة، أياً كان الموضوع، أياً كانت الآية، أياً كان الأمر، فإن كان واجباً يطاع ويتبع، وإن كان نهياً يترك وينزجر عنه، وإن كان وصفاً لأحوال القلوب، أو أحوال الناس، أو خبراً عمن قبلنا، أو حديثاً عن الآخرة والجنة والنار، أو ما هو أجل من ذلك وهو التعريف بالله تبارك وتعالى وبأسمائه وصفاته، فهم يستبشرون به، وكله خير ونور وحكمة وهدى، وهذا هو حال أهل الإيمان.