قال رحمه الله:
[ففهموا من أخبار الصفات ما لم يرده الله ولا رسوله] وذكر النفاة والصفات لأن أصل المشكلة في رد خبر الواحد هي الصفات كما في كلام
الرازي وغيره، إذ كيف ننسب إلى الله هذه الأمور التي تنافي العقل ونقول: رواها فلان وذكرها فلان؟ فاضطروا عياذاً بالله من تحكيمهم لهذه الآراء والأهواء أن يردوا الأحاديث الصحيحة، وهذه القضية ليست وحدها في أبواب الإيمان، بل في أبواب القدر وغيرها يردون أيضاً الأحاديث، لكن ذكر الصفة لأنها هي الأصل عندهم، وهي الأهم، فيفهمون منها ما لم يرده الله ولا رسوله
[ولا فهمه أحد من أئمة الإسلام، أنه يقتضي إثباتها التمثيل بما للمخلوقين] وهذا لا يمكن، فالله عز وجل عندما ذكر أن له عيناً، وأن له يدين سبحانه وتعالى، أو أنه ينزل إلى سماء الدنيا، ما كان أحد يظن من الصحابة أن ذلك كصفات المخلوقين أبداً، لكن جاء هؤلاء فقالوا: النزول لا يعقل إلا بانتقال الجسم من حيز إلى حيز، فنقول: هذا بالنسبة للمخلوقين، أما الله تعالى فليس كمثله شيء، وليس كشيء من خلقه، فأنتم تتوهمون وتظنون أن هذا الحديث فيه تمثيل أو تشبيه، وهكذا في كل الأحاديث التي ردوها؛ لأنه في ذهنهم أن هذه تفيد التشبيه كما في قولهم: وكل نص أوهم التشبيه! فسبحان الله! هل يمكن أن يأتي نص عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويوهم التشبيه؟! إن العقول الضعيفة تتوهم ذلك، أما النصوص فإنها لا توهم ذلك؛ ولذلك فإن أئمة الإسلام وفقهائه وعلمائه، بل حتى العامي من المسلمين، لا يخطر بباله ذلك إلا إذا عُلِّم من شبههم، أو ألقى الشيطان في نفسه شبهة لضعف يقينه، ثم يقول رحمه الله:
[ثم استدلوا على بطلان ذلك بـ(( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ))[الشورى:11] تحريفاً للنصين] أي: أنهم حرفوا الآية، ولنفرض مثلاً قوله تعالى: ((
بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ))[المائدة:64]، فإذا ردوا هذه الآية بقوله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) فقد حرفوا معنى الآيتين، أما آية إثبات اليدين فإنها لم يرد الله تبارك وتعالى بها إثبات أن له يدين كأيدي المخلوقين، تعالى وتبارك عن ذلك وتقدس، فهم فهموا هذا، ثم إن هذه الآية: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) لم يرد بها إبطال آية أخرى في كتاب الله، فهم في الحقيقة حرفوا الآيتين معاً أو النصين معاً، ثم قال:
[ويصنفون الكتب، ويقولون: هذا أصول دين الإسلام الذي أمر الله به، وجاء من عنده] كما يسمون كتبهم (الأصول)، مثل:
الأربعين في أصول الدين للرازي [ويقرءون كثيراً من القرآن ويفوضون معناه إلى الله تعالى من غير تدبر لمعناه الذي بينه الرسول، وأخبر أنه معناه الذي أراده الله] والفرق بين
أهل السنة وبينهم: أن
أهل السنة والجماعة يفوضون الكيفية، أما المعنى فيثبتونها، فمثلاً: يثبتون معنى استوى، ومعنى العين، ومعنى اليد، ومعنى النزول وغير ذلك في القرآن أو في السنة، أما أولئك فإنهم يفوضون المعنى، فيصبح الحال أن الكلام لا مفهوم له، فيقرءون حروفاً ليس لها أي معنى، وبالتالي فما قيمتها؟! وما فائدة القراءة؟ هل للتبرك فقط؟!