وهما في هذه الملة يشبهان الطرفين اللذين ذكرهما الله سبحانه وتعالى عن أهل الكتاب قبلنا، عن الأمتين اللتين أوتيتا الكتاب قبلنا، وهما:
اليهود و
النصارى، حيث يأمرنا الله تبارك وتعالى في كل ركعة من صلواتنا -سواءٌ كانت نافلة أو فريضة- أن نقرأ بأم الكتاب، وأن نقول: ((
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ *
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ ))[الفاتحة:6-7]، فالمغضوب عليهم في الأمم هم
اليهود ، ثم من اتبع نهجهم وطريقتهم ممن عرف الحق ولكنه لم يعمل به ولم يتبعه، كما قال
عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه و
سفيان بن عيينة وغيرهما: [
من ضل من علمائنا ففيه شبه من اليهود ، ومن ضل من عبادنا ففيه شبه من النصارى]. وبالتالي فـ
أهل تحكيم العقل والمعقولات هم أقرب إلى اليهود ومن نحا نحوهم في هذه الأمة من أهل القبلة لأنهم يطلعون على النصوص ثم يعارضونها بما يقولون: إنه قواعد عقلية وبراهين يقينية، وهذا هو الانحراف والعياذ بالله، إذ إنهم عرفوا الحق ولكنهم أعرضوا عنه وتحاكموا إلى غيره. والطائفة الأخرى في الأمم: هم الذين عبدوا الله تعالى على جهل، وتقربوا إليه بما لم يأذن به الله ولم يشرعه، وهؤلاء هم
النصارى ، ومن نحا نحوهم كـ
البوذيين وغيرهم؛ فإنهم قد تدينوا لله تبارك وتعالى بالرهبانية والانقطاع عن الدنيا وترك شهواتها، ومع ذلك فعملهم حابط وخاسر. وهم أصحاب الوجوه التي ذكرها الله تبارك وتعالى: ((
عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ *
تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً ))[الغاشية:3-4]؛ لأن كدحها لم يوافق ما جاء عن الله، وما شرعه الله، وهذا في الأمم السابقة، أما في أهل القبلة أو أهل هذه الأمة فالذي يمثل هذا المنهج هم أولئك الذي أيضاً تصوفوا وتركوا الدنيا، وانقطع كثير منهم إلى التعبد وإلى الإذكار وإلى معالجة أمراض القلوب وإلى ما يسمونه: المقامات والأحوال وما أشبه ذلك، ولكنهم يعملون ويكدحون في غير ما شرع الله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (
من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ).