الدليل الخامس عشر: وهذا نذكره لأهميته، ونكتفي به، وهو حديث أبي رافع رضي الله عنه الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا ألفين أحداً منكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري يقول لا ندري ما هذا، بيننا وبينكم القرآن، ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه ).
ووجه الاستدلال: هو أن النبي صلى الله عليه وسلم يحذر ممن يأتي متكئاً على أريكته -وهذا فيه إشارة إلى الترف والفراغ، فالذين يتكلمون ويتطاولون على السنة هم من الذين شغلهم الترف والفراغ، فليسوا من أهل التقوى، ولا من أهل الجد، ولا اليقين والإخلاص، فيأتي ويتكلم بما يسمى الآن عند الناس: سواليف، وأخبار، وأحاديث، فهو متكئ لا يهمه أمر، وليس مهتم بهذا دين، وأنه شيء عظيم، وأنه لا بد من التأكد، ولا يقال على الله إلا بحق، فيأتي رجل فيقول لأحدهم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، فيقولون: ما ندري ما هذا؛ إن كان في كتاب الله أخذنا به، وإلا فلا ندري ما هذا، فهذا هو الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أن الرجل يرد الحديث مستنداً إلى القرآن، ومطالباً فقط بما جاء في القرآن، فكيف بمن يرد الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد الرجوع إلى كلام وآراء اليونان ، أو الفلاسفة ، أو المناطقة أو غير ذلك مما يسمونها: القواعد العقلية، أو الآراء التي كلها أراء بشرية؛ وأكثرها باطل؟!! إذاً فهذا يدخل في هذا الوعيد دخولاً أولياً.
وفي آخر الدليل الحادي والعشرين ذكر كلاماً جميلاً مفيداً للإمام أبي المظفر منصور بن محمد السمعاني ، وقد أحببت أن أنبه إليه لنفاسته، وكلام ابن القيم وكلام شيخ الإسلام رحمهما الله أعظم منه قوة وبلاغة، لكن هذا الكلام نفاسته وأهميته تأتي من كون صاحبه متقدماً، وهو رحمه الله له كتاب جليل عظيم نفيس القدر بعنوان: الانتصار لأهل الحديث ، والإمام السمعاني كان ممن أقام الله تعالى بهم الحجة على المقلدين والمبتدعين قبل شيخ الإسلام بهذا الكتاب الجليل، لكن الكتاب فقد، وقليل من يشير إليه، ولا يوجد منه الآن فيما بلغني وقد بحثت عنه كثيراً؛ لا يوجد منه إلا نسخة واحدة في طهران في إيران ، وقد بذلت جهداً ولم أستطع أن أصل إليها، فهذا كتاب قيم جداً، ومن عنوانه يعرف مضمونه: الانتصار لأهل الحديث ، فهو يبين فيه وجه تفضيل أهل السنة وأهل الحديث؛ المتبعين لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل الفرق المختلفة، ومن الكلام تعرف قيمته.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.