قال المصنف رحمه الله:
[ثم تكلموا في إلزام الغير بذلك، الذي هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وضمنوه جواز الخروج على الأئمة بالقتال.
فهذه أصولهم الخمسة، التي وضعوها بإزاء أصول الدين الخمسة التي بعث بها الرسول]. اهـ
الشرح:
أصول
المعتزلة الخمسة هي: التوحيد الذي يريدون به نفي الصفات، والعدل الذي يريدون به نفي القدر، والمنزلة بين المنزلتين، والوعد والوعيد والركن الأخير: هو الإلزام بذلك، وقد سمته
المعتزلة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو الالتزام بهذه الأمور والدعوة إليها، وإلزام الناس بذلك، وقد علم ما وقع فيه
المعتزلة من الفتنة حين تمكنوا وألزموا الناس بالقول بخلق القرآن، وذلك في أيام
المأمون، ثم في أيام
المعتصم و
الواثق، وانتهت فتنتهم في أيام
المتوكل .
فإن
المعتزلة لما استطاعوا أن يستميلوا
المأمون إلى جانبهم، وجعلوه يتبنى أفكارهم، ألزم الأمة جميعاً بقولهم، وكانوا يرون ذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛
لأن كل صاحب بدعة يرى أن ما هو عليه هو الحق وأن غيره على باطل يجب أن ينكر عليه.
ولذلك يجب على كل أحد أن يعيد النظر دائماً في نفسه، وأن يراجعها؛ ليرى ما هو عليه أهو حق أم باطل.
مع أن الأصل أن الناس لا يتمسكون ولا يلتزمون إلا بما يرون ويعتقدون أنه حق، لكنه قد يكون حقاً وقد يكون باطلاً.
ومن ذلك: ما تبنته المعتزلة من جواز الخروج على أئمة المسلمين بالسيف، وأن ذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولهم في ذلك كلام كثير وخلاف طويل.
ومن أوضح الأمثلة التاريخية الواقعية: ما كانت تمارسه الزيدية، فإن الزيدية يرون وجوب الخروج على أئمة الجور، فإذا لم يكن الإمام عدلاً مرضي السيرة، بأن فسق أو جار أو ظلم، خرجوا عليه بالسيف وجوباً، وهذا عندهم من أصول الدين، وسلفهم في ذلك الخوارج الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه، ثم خرجوا على من بعده من خلفاء دولة بني أمية وبني العباس، ولم يخرجوا بناءً على أصل شرعي صحيح، وإنما خرجوا بناءً على هذا الأصل الفاسد الذي أصلوه، وأسموه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ونحن إن شاء الله تعالى سوف نوضح بالتفصيل مذهب أهل السنة والجماعة في مسألة الإمامة والخروج على الأئمة، وسيأتي شيء منه عند الحديث على الرافضة، وموقفهم أيضاً من هذا الشأن.
والمقصود الآن هو بيان الضلال الذي وقعت فيه المعتزلة، حين جعلوا إلزام الناس سواء كانوا عامة أو حكاماً بما يرونه: من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإنه لو وجد حاكم أو خليفة من أهل السنة والجماعة، لرأى المعتزلة وجوب الخروج عليه؛ حتى يؤمن بأن القرآن مخلوق، وحتى ينفي الصفات، ويكذِّب بالقدر، ويؤمن بالمنزلة بين المنزلتين؛ فإنهم يرون هذا ديناً واجباً، ويسمونه أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، وسيأتي الكلام عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضمن الأمور التي تأتي في مبحث أهل القبلة وحكم الصلاة عليهم.