المثال الآخر: الإنسان، وهو مثال حي أو واضح للإيمان، فالمؤمن الحقيقي هو الذي يجعل إيمانه في أحسن تقويم، كما أن الله تعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم، وأحسن الناس إيماناً وديناً هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد اجتمع فيهم اكتمال أعضاء الإيمان مثل الإنسان المكتمل الأعضاء الذي لم يفقد يداً ولا رجلاً ولا عيناً، واجتمع فيهم تناسق الأعضاء، فالصحابة رضي الله تعالى عنهم كان إيمانهم متناسقاً متناسباً، والذي فقد في هذه الأمة في العصور الأخيرة أمران: الاكتمال، فإنك تجد من لديه ثلث، ثلاثة أرباع، نصف.. إلى آخر، فلا تجد الخلقة الكاملة، ثم لا تجدها متناسقة، بمعنى: أن المتأخرين يقع فيهم الغلو في جانب، والظهور في جانب، فلو كبر الرأس -مثلاً- أو ضمر الجسد، فهذه ليست خلقة متناسقة، أو كبرت إحدى الأيدي والأخرى ضامرة، وبالتالي ابتلى المسمون بهذين: إما فقد هذا العضو بالكلية، أي: عضو من أعضاء الإيمان، فمنهم من ضيع الجهاد بالكلية، فأمة بأكملها تنسى الجهاد، فلا جهاد لديها، وأمة تترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأعظم من ذلك أن يهمل التوحيد، وأمة ليس فيها توحيد، وإنما فيها القباب والقبور والقوانين والمناهج العلمانية، فهي جثة وليست حية، إذاً تجد العجب في فقد هذين الأمرين، ثم من أهل الدين المتمسكين به تجد أن البعض لم يكتمل دينه وإيمانه في أحسن تقويم، كمثال على ذلك: حديث الشعب، إذ إن ديننا أركان وواجبات ومندوبات، فأعمالنا يجب أن لا تخرج عن هذا إلا إلى دائرة المباح، لكن هذه الأعمال أو هذه الدرجات الثلاث والمباح بالنية الحسنة تصبح مثاباً عليه مأجوراً به، فإذا جعل الإنسان عملاً من الأعمال الواجبة ركناً فقد أخطأ وأخل بهذه الخلقة، وبهذا التركيب الصحيح، ومن المحتمل -وهو الغالب- أنه لا بد أن يخل ببعض الأركان؛ لأن الأركان وضعها الطبيعي محدود، فإذا أتيت بواجب وجعلته ركناً فلا بد أن تخل بأحد الأركان الذي وضعت هذا الواجب محله، وأسوأ من هذا لو أنك أخذت مستحباً وجعلته ركناً، وضيعت الركن والواجب، وهذه مشكلة وقع فيها كثير من الناس الذين ربما كانوا صادقين ومخلصين في تعبدهم وتدينهم. لكن حقيقة الإيمان وبناؤه وشجرته التي ضرب الله تعالى بها مثلاً، وشعبه، لم تكن في قلوبهم وأذهانهم، كما كانت عند الصحابة الكرام رضوان الله تبارك وتعالى عليهم، ولهذا الصحابة رضوان الله تعالى عليهم لما رتبوا هذه الأمور ترتيباً حقيقياً ظهر ذلك في أعمالهم، فتاركو الأركان يقاتلهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قاتلوا المرتدين من بني حنيفة وأتباع الأسود العنسي و سجاح مثلاً، أو من تركوا الزكاة؛ لأنهم تركوا أركاناً، والمختلف الذي يختلفون معه في بعض الواجبات هل هو واجب أو غير واجب؟ هذا سائغ؛ لأنه أقل من الركنية، لكن ينكر على من أخل بواجب من الواجبات، فيؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وقد يكون الاختلاف في أصل مشروعيته، وفي أصل كونه واجباً وسائغاً وجائزاً، لكن ينكر على من خالفه فيه، وأما من ترك المندوب أو المستحب فإنه ينبه إليه ويحث عليه، وهكذا لم يكن في دعوتهم تضخيم جانب وإهمال جانب آخر، أو وضع شيء في غير موضعه، وبهذا المثال كان دينهم أحسن الدين وأكمل الدين.