قال رحمه الله: [فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان )]، فهو حديث واحد على رواية مسلم.
[وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: ( الحياء شعبة من الإيمان )] فهو حديث واحد، وهذا الحديث المعروف للجميع المتفق عليه حديث ثابت صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يشك في ذلك أحد، وهو من أعظم الأحاديث في بيان حقيقة الإيمان، وعلاقة الإيمان بالعمل؛ وذلك أنه جعل الإيمان شعباً، وفي رواية: ( بضع وستون )، وفي الأخرى: ( بضع وسبعون )، ولا يهم العدد، وقد اجتهد بعض العلماء في تخريج هذا الحديث على الأعمال بتفصيله، فذكروا الأعمال بحيث تصبح بعد التفصيل بضعاً وستين أو بضعاً وسبعين، مثل أن يقال: الأركان الخمسة، وبر الوالدين، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والرفق باليتيم، وغيرها من الشعب حتى يكتمل العدد، ولا يهم العدد أو اكتماله، لكن كيف نوزع الأعمال المطلوبة منا شرعاً أو المشروعة ما كان منها واجباً، وما كان مندوباً على الشعب، المهم أن نعلم أن كل شعبة من شعب الإيمان ركن أو واجب أو مستحب أو مندوب، فكلها أجزاء من الإيمان؛ ولذلك من حكمة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي آتاه الله الحكمة، وفضله بها على العالمين، وعلمنا إياها، ومن بلاغته صلى الله عليه وسلم، وهو أفصح وأبلغ العرب، أنه اختار هذه الشعب الثلاث أمثلة، وكل الشعب الباقية إنما هي فيما بينها.
فالشعبة الأولى هي: شهادة أن لا إله إلا الله، وهذا مثال للأركان، إذ إن أعظم أركان الدين وأصوله التي لا يصح ولا يستقر إلا عليها هي كملة الشهادة، أي: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك الذي لا يأتي بها لا يكون مؤمناً لا ظاهراً ولا باطناً، بل يكون كافراً بإجماع المسلمين، إذاً الركن الأعظم في هذا الدين، والذي مثل به النبي صلى الله عليه وسلم للأركان وقال: (فأعلاها)، أي: أعلى الشعب، هو أعظم الأركان؛ لأن الأركان هي أفضل وأعلى الشعب، فجاء المثال لأعلى الشعب والأركان، وهي شهادة أن لا إله إلا الله، وما بعدها فهو تابع لها.
ثم مثل بالأدنى: ( وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق )، وهذا مثال للمستحب المندوب الذي يسميه الفقهاء أحياناً: السنة، بمعنى: المندوب والمستحب لا بمعنى الطريقة والهدي، فيكون هذا المثال يدل على أن أعمالاً إنما هي كمال مستحب في الإيمان، أي: يكمل بها الإيمان، فهي من الكمال المستحب لا من الكمال الواجب.