تسبب الإرجاء في انتشار المعاصي
وقول المؤلف: (وإلى ظهور الفسق والمعاصي بأن يقول: أنا مؤمن مسلم حقاً كامل الإيمان والإسلام ولي من أولياء الله، فلا يبالي بما يكون منه من المعاصي…) أي: ومما يؤدي إليه مذهب المرجئة الفقهاء أيضاً أن تكثر المعاصي والفجور والتحلل من الأوامر والنواهي، فيقول الرجل: إنه مؤمن كامل الإيمان؛ لأنه مصدق كما قرر العلماء مثلاً، والعمل ليس من الإيمان، وهذا قد وقع ولا يزال يقع، وهو من أسوأ ما تقع فيه الأمة اليوم، فتجد من الناس من يقول هذا وإن لم يتعلم كلام المرجئة ، ولا يعلم من هم المرجئة ، لكن الشيطان يعلمه ويلقنه، وإذا قلت له: اتق الله يا أخي! لماذا لا تلتزم بطاعة الله في صلاتك وأدبك ومظهرك وفي كل شيء؟ قال: يا أخي! الإيمان في القلب، وهذا هو كلام المرجئة ، يعني: أن العمل ليس من الإيمان، فهذا لسان حاله وإن لم يقله، فيقول: أنت ما اطلعت على قلبي فلا تناقشني في هذا، مع أنك عندما وعظته أو ذكرته ما اعترضت على ما في قلبه؛ لأنه لا يعلم ما في القلوب إلا الله عز وجل، والذين يتكلمون عما في القلوب والنيات بغير علم ولا برهان، هم من أكبر المغترين والكاذبين، فالنيات غيب لا يعلمها إلا الله، فأنت اعترضت عليه ظاهر حاله، فرد عليك بإحالتك إلى أمر باطن لا يمكن أن تطلع عليه أنت، فيلزمك أن تصدقه فيما يقول فتكون دعواه: أنا مؤمن والحمد لله، وأحب الله، وأحب النبي، وأنا كامل الإيمان، فلا خيار لك إلا أن تقبلها ولو كنت تعتقد أن الإيمان فقط هو ما في القلب، فلا بد أن تسمع منه وأن تصدقه. لكن عندما تقول له: يا أخي! الإيمان قول وعمل، فأين العمل؟ أنا أطالبك بالجزء المفقود، أما الذي في قلبك فإننا نرجو أن يكون كذلك، نحن نسألك عن الذي ظهر من الفجور والفسق وما أشبه ذلك مما قد يستند فيه صاحب الزيغ إلى مذهب المرجئة ، فتراه يقول: بعض العلماء يقولون كذا، أو أنا من الحنفية الفقهاء الذين يقولون: الإيمان في القلب، والعمل ليس شرطاً، وعليه فلو أن أحداً كان فعلاً من أهل الفجور والمعاصي ثم حضر إلى حلقة علمية أو درس في أكثر الكليات في العالم الإسلامي التي تقرر مذهب الإرجاء، فدرس هناك أن الإيمان هو ما في القلب، وأن العمل شرط كمال، فسيجد نفسه مطمئناً إلى ما يعمل، وإذا جاءه أحد وقال له: يا أخي لم لا تصلي؟ وذكره بآيات الله وأحاديث الوعيد، إذا به يتذكر ما قرأ ويقول: يا أخي! الإيمان في القلب وأنا مصدق في قلبي، والناس يبحثون دائماً عن مبرر، وقد لا يكون طالب علم، بل عامياً. فلو جاء خطيب يخطب أو يلقي محاضرات يكون فيها الرد على حسب أصول أهل السنة والجماعة فيقول: لا تسمعوا لهؤلاء المتطرفين الأصوليين الخوارج الذين يجعلون الدين قولاً وعملاً، والدين فقط هو الإيمان والإيمان، هو التصديق، فالرجل العامي وإن كان يعلم إهماله للصلاة وتقصيره في حق الله وأنه غير متمسك عندما يسمع هذا الكلام تهون عليه معاصيه، ويرى أن الذي يعفي لحيته أو يقصر ثوبه أو يلتزم بصلاة الجماعة ويؤدي النوافل متطرفاً، ويرى أنه هو المعتدل وغيره هم المتطرفون، وهكذا فإن تقرير هذه البدع لا بد أن يؤدي إلى ظهور الفسق ويعين عليه ويبرره ويفلسفه، حتى عند من لا يعتقده اعتقاداً، وهذا ليس في هذا العصر فقط، بل حدث ووقع في العصور الماضية.