كفر أبي طالب رغم اعتقاده صدق النبي عليه الصلاة والسلام
وكذلك أبو طالب نموذج آخر مما يكذب عقيدة المرجئة ويبين ويظهر حكمة لله تبارك وتعالى بينها الله عز وجل في قوله: (( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ))[القصص:56]، إنها حكمة عظيمة، إذ إن الداعية مهما حرص فليس الأمر راجعاً إلى حرصه، وأن القرابات لا تنفع، وإنما المسألة هي تقدير وهبة وإنعام وإكرام من الله سبحانه وتعالى، يكرم من يشاء بهذا الدين، ويحرم من يشاء من الخير وقد عاش فيه، كما قال ابن القيم رحمه الله: هبت عواصف الأقدار في بيداء الأكوان، فإذا أبو طالب غريق في اللجة، وإذا سلمان منا أهل البيت، أو كما قال رضي الله تعالى عنه، فهذه أقدار الله عز وجل، فسبحان الله! سلمان يأتي من أقصى بلاد فارس ويشتاق أن يرى خاتم النبوة، وأن يؤمن وأن يسلم، ويمكن الله تبارك وتعالى وييسر له ذلك فيصبح في عداد المؤمنين، وأبو طالب يحمي الدعوة، ومستحيل أن الإنسان يحمي الباطل، ومستحيل أن أحداً يحمي ما يعتقد أنه باطل، وهو كما كان حاله لم يؤمن به وليس من أهله، فأهل الباطل قد يحمون الباطل لأنهم أهله، لكن رجلاً يتطوع بحماية الباطل وهو باطل فمستحيل، لكن يعلم أنه الحق، فيتحمل الحصار في الشعب، ويتحمل أذى قريش، ويتحمل كل هذا البلاء والعناء، ومع ذلك ما كتب الله لـأبي طالب أن يسلم، إنها حكمة الله تبارك وتعالى، ولما طلب منه ذلك النبي صلى الله عليه وسلم: ( يا عم! قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله ) وأخذ يكررها عليه، لكن رفقاء السوء في كل زمان ومكان مزلة ومدحضة للإنسان يزلقونه عن الخير إلى الشر، فقال أبو جهل : أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فكان الخيار حينئذٍ بين ملة إبراهيم عليه السلام، ملة محمد صلى الله عليه وسلم، دين محمد صلى الله عليه وسلم الذي جاء به، والحق الذي يعلم أنه حق، وبين ما عليه الآباء والأجداد، فأخذته النخوة القبلية والاعتزاز بما كان عليه الآباء، واعتقاد أن هذا المجد المتوارث لا يمكن أن يكون باطلاً -هكذا أخلاق الجاهلية- فغلبت عليه إرادة الله، وحكمة من الله تبارك وتعالى كان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب ، فهل نفعه اعتقاده بأن النبي صلى الله عليه وسلم حق؟ ثم هو القائل: ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية ديناأي: أنه يقول: أنا أعلم هذا. لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحاً بذاك مبيناً أي: أنا لم أسمح ولم أقل حتى لا ألام وأسب، وحتى لا يقال: إنه ترك دين آبائه وأجداده، وإلا فأنا أعلم أنه حق، لكن هل نفعه ذلك في شيء؟ إذاً ما دام هذا لم ينفعه علمه بأن الرسول صلى الله عليه وسلم حق، ودفاعه عنه ونصرته له، فهل ينفع غيره ذلك ويقال: إن من عرف الحق وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم ثم مات ولم ينطق بالشهادة فإنه يكون عاصياً أو يكون ناجياً أو يكون كما في كلام المرجئة فيما مضى؟ إن هذا الكلام باطل، وهو مما يرد به عليهم.