إن الازدواجيات تحدث عند دراستنا بعض ما هو من الشرع؛ لأننا ندرسها على طريقة ومنهج الملاحدة والفلاسفة والعياذ بالله.
فالمبتدعة إنما يأخذون ما في كتب الفلاسفة وكتب الأدب واللغة، وأما كتب القرآن والحديث والآثار فلا يلتفتون إليها، بل يعرضون عن نصوص الأنبياء؛ لأنها عندهم لا تفيد العلم، أو يتأولون القرآن برأيهم وفهمهم، ويقولون أن ما جاء به الدين لا يفيد العلم، ولا يورث واليقين، بل يقولون: هذا كلام ديني، وأحياناً قد يذكرونه على سبيل استيفاء المعلومة، فيقولون: هذا رأي الدين، ثم يأتون بكلام آخر باعتبار أنه رأي العلم والنظريات الحديثة، وعندما يقرأ الإنسان ذلك يشعر أن العلم أفضل وأوسع وأعلم من الدين!! وهذا ربما يصح بالنسبة لدينهم؛ لأن دينهم محرف وباطل، فلا يجوز أن نأتي فنقلدهم ونجعل مصدرنا هو التخبط والهوى والظن التي يسمونها نظريات، ونعرض عن طريقة الكتاب والسنة، كمنهج الفلاسفة .
أما أهل البدع فإنهم يتأولون القرآن برأيهم وفهمهم غير معتمدين على المحكم من كتاب الله، والصريح من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما فهمه السلف الصالح من الآيات والأحاديث، ولذلك نجدهم في موضوع الأسماء والصفات يقولون: إن آيات الصفات وأحاديثها عندما ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم كان المسلمون على الفطرة، ولم تكن عقولهم قد تبحرت وتوسعت في النظر وطريقة الاستدلال، وكانوا يسلمون إذا سمعوا آيةً أو حديثاً ولا يجادلون فيه، وكانوا مشتغلين بالجهاد وبالفتوحات وبالعبادة، وكان المناظر المجادل لهم قليلاً، ولكن لما ظهرت البدع في القرن الثالث توسعت العقول، وترجمت كتب الفلسفة، وزادت طرق الاستدلال، والنظر العقلي فتح ميدانه ومجاله، والمجادلون كثروا، وتركت الأمة الجهاد فأصبح لا بد من الاشتغال بهذه النصوص ورد الشبه التي تحوم حولها للدفاع عن الإسلام، وعلى هذا قالوا: منهج السلف أسلم، ومذهب الخلف أعلم وأحكم؛ لأنهم يرون أنهم بتلك التأويلات والبحوث الكلامية والفلسفية واللغوية والتأصيلات والتقعيدات حللوا عقداً كما قال الشاعر:
يحللون بزعمٍ منهم عقداً             وبالذي وضعوه زادت العقد
لولا التنافس في الدنيا لمـا كتبت            كتب المقالات لا المغني ولا العمد
أي: المغني من كتب المعتزلة ، والعمد من كتب الأشاعرة ، وقوله: يحللون بزعمٍ منهم عقداً، أي: كأن يأتي ويقول: الناس اختلفوا في القدر، وهل الأعمال بإرادة العبد أم بإرادة الله، ثم يريد حل المشكلة، فيكتب كلاماً، ولكن زادت العقد بما كتبه ووضعه، فمن يقرأ ما كتبوه وفيه شيء من الجهل والشك يزداد ضياعاً وضلالاً وتيهاً، وقد ذكرنا كلام الإمام أحمد وغيره في إنكار هذا، وإذا تدبرت حجتهم وجدت دعاوى لا يقوم عليها دليل.