من أسباب الخطأ في المسائل العلمية
ولقد كان الإمام أحمد يقول: أكثر ما يخطئ الناس من جهة القياس والتأويل. وهذه الكلمة العظيمة صدرت من إمامٍ عظيم، إمام بارع في النقل في الشرعيات، في الحديث فهو ممن تشهد له الأمة بهذا، ولا خلاف على جلالته وإمامته وتقديمه في علم الحديث، ومن جهة القياس والفقه والاستنباط، فإنه قد عانى رحمه الله ما عانى في بيئة العراق حيث مذهب أهل الرأي، وقد تلقى عن الشافعي وغيره القياس أو الاستنباط الصحيح، فكن على إطلاع بهذا وهذا، فهذه العبارة نتيجة لخبرة الإمام رحمه الله، فأكثر خطأ الناس وطلاب العلم والعلماء يقع من جهتين: إما من جهة القياس، وإما من جهة التأويل، فالقياس: أن يقيس أو يلحق فرعاً بأصل ويكون غير ملحق به، فيقول مثلاً: هذا الشيء حلال قياساً على كذا، وهذا الشيء حرام قياساً على كذا، فربما يكون القياس فاسداً باطلاً حين تكون العلة غير جامعة، والخطأ في مقدمات القياس يجعل النتيجة خطأ. وأما الخطأ في التأويل فكأن يقول: عندي دليل على كذا، ثم يأتيك بآية أو حديث ويتأولها على شيء، وهي لم تنزل في هذا الشيء، وليس المقصود بها ما أراد، بل ربما عارض بذلك التأويل بعض القرآن؛ لأنه تأويل على غير المراد، وأعظم شاهد على هذا مسائل الأسماء والصفات، ومسألة أسماء الله وصفاته تمثل جانباً عظيماً من جوانب التوحيد؛ لأنه يتعلق بمعرفة الله، يقولون: إن الله تعالى يقول: (( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ))[الإخلاص:4]، ويقول: (( هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ))[مريم:65]، ويقول: (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ))[الشورى:11]، فقالوا: نحن لا نثبت له تعالى اليد، ولا نثبت له العين، ولا نثبت له السمع ولا البصر والنزول؛ لأنه ليس كمثله شيء فيتأولون الآية على غير ما أنزلت لأجله، وهكذا فأكثر ما يخطئ الناس فيه هو من جهة القياس بأن يلحقوا في الشيء ما ليس ملحقاً به، وما لا يصح أن يلحق به، أو من جهة التأويل بأن يتأولوا الدليل على غير ما هو عليه.