موافقة الصوفية للهندوس في معتقدهم في الربوبية والعمل
يقول البيروني: (إن باسديو يقول في الكتاب المعروف بـكيتا) وهذه الكتب موجودة ومعروفة عند الهندوس (أما عند التحقيق فجميع الأشياء إلهية) يعني: هي الله، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.(لأن بشن) وهو الرب عندهم (جعل نفسه أرضاً)، فكيف يتصور أن الرب يجعل نفسه أرضاً ليستقر عليها الحيوان! قال: (وجعلها ماءً ليغذيهم، وجعلها ناراً وريحاً لينميهم وينشئهم، ومنح الذكر والعلم وضديهما على ما هو مذكور في فيدا) أي: في أسفار الفيدا ، وفي لغتهم تنطق بين الواو والفاء. يقول البيروني: (والغاية المثلى عند هؤلاء هي معرفة الرب والتخلق بخلقه، دون انتظار الثواب أو الجزاء) هذه هي القضية، فيقول صاحب كتاب كيتا: (إن الرب يقول: إني أنا الكل من غير مبدأ بولادة أو منتهى بوفاة، ولا أقصد بفعلي مكافأة، ولا أختص بطبقة دون أخرى لصداقة أو عداوة، قد أعطيت كلاً من خلقي حاجته في فعله، فمن عرفني بهذه الصفة وتشبه بي في إبعاد الطمع عن العمل انحل وثاقه وسهل خلاصه وعتاقه) أي: أن تعمل العمل ولا ترجو ثواباً ولا تطمع في ذلك، وهذا هو منبع الخطأ الذي قاله الصوفية فيما بعد، أن تعبده ولا ترجو الجنة ولا تخاف من النار. ثم يقول: (ولهذا لم يعد كتاب سانك ثواب الجنة خيراً بسبب الانقضاء وعدم التأبيد]، فهم يرون أن الجنة تفنى، وهذا باطل. يقول: (وبسبب مشابهة الحال فيها حال الدنيا من التنافس والتحاسد لأجل تفاضل الدرجات والمراتب؛ فإن الغل والحسرة لا يزول إلا بالتساوي) هكذا ظن فلاسفة الهنود، فقالوا: إذا كانت الجنة درجات؛ فسيكون فيها تحاسد وتنافس، ونحن نكره الدنيا لما فيها من ذلك، وهذا الذي لا يؤمن به من عرف الله، ولا يعتقده؛ لأنه تعالى بين لنا ذلك فقال: (( وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ))[الحجر:47]، فكل أهل الجنة راضون بمنازلهم التي هم فيها. وأما الأبدية فمعلوم أنهم خالدون فيها أبداً، كما ذكر الله في آيٍ كثيرة، فأبدية الجنة حق، ولا غل فيها ولا تحاسد، فانتفى ما يخشى منه هؤلاء.