الفرق الرابع: أن الدعاء ثابت بنص القرآن، ولا خلاف فيه بين العلماء، وينتفع المسلمون الأحياء منهم والأموات بدعاء بعضهم لبعض، وأما الإهداء فإن فيه مسائل تتوزع فيها، وبعضها الخلاف فيه قوي، وعمل الإنسان بما أجمع عليه أهل السنة والجماعة أولى من عمله بما لم يجمعوا عليه، ولا سيما إذا كان المراد والغاية والنتيجة واحدة، وهي حصول الرضوان والأجر والثواب.
فالذي لا شك فيه هو الدعاء، فجدير بالمسلمين أن يتحروه وأن يجتهدوا فيه وأن يتواصوا به جميعاً، فيدعو بعضهم لبعض في ساعات الإجابة وفي كل المواطن التي ترجى فيها الإجابة بإذن الله تعالى، وهذا مما يجلب الخير والبركة للجميع، فيعم الله تعالى جميع المسلمين بنفع هذا الدعاء إذا صدر من بعضهم لبعض.
أما الإهداء فإنه فتح معه باب عظيم من أبواب البدعة، فزاد الناس فيه على المشروع وتوسعت فيه شقة الخلاف حتى ابتدع في الدين، وأصبحت أحوال المسلمين اليوم يرثى لها في كثير من البلاد بسبب ما يصنع من الإهداء، فأصبحنا نرى الآن العجب العجاب، فإذا مات ميت جمع القراء ليقرءوا القرآن، ويقولون: نهدي ثواب هذه القراءة للميت، وأصبحنا نرى من يحج أو يعتمر ويقول: هذه العمرة أو الحج لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يهدي بثوابهما له، ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي دلنا على الخير كله، وما من عمل يعمله أحد منا إلا وله صلوات الله وسلامه عليه من الأجر مثل ما لذلك العامل، كما نص على ذلك الحديث، وليس هذا خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم، بل كل من يدعو إلى الخير له من الأجر مثل أجر فاعله، كما قال صلى الله عليه وسلم: ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً )، فالنبي صلى الله عليه وسلم ليس محتاجاً إلى أن يحج عنه أو يعتمر عنه أو يتصدق عنه، أو يضحى عنه -مثلاً- كما يفعل بعض المسلمين، وربما كان ذلك عن حسن نية، ونحن لا نتهم النيات، لكن نقول: هل ذلك مشروع؟! ولو كان خيراً لسبقنا إليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم أعظم منا حباً له وأشد تعلقاً به وحرصاً إلى إيصال الخير إليه بأي طريق من الطرق، وهم الذين حموه صلوات الله وسلامه عليه بأنفسهم وأموالهم وبذلوا مهجهم وأرواحهم وكل ما يملكون فلم يستغلوا غالياً، بل استرخصوا كل شيء في سبيل المحافظة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإيصال الخير بأي طريقة من الطرق إليه صلى الله عليه وسلم وإلى من أوصى أن يوصل الخير إليه.
وكذلك سائر البدع التي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدي المسلمين وأن يبصرهم في الدين ليتخلصوا منها بإذن الله والتي سوف نأتي فيما بعد إلى الحديث عنها بإذن الله تعالى.