وأما الصغائر فلها حالات، فإما أن نقول: إن الصغائر يكفرها العمل الصالح مطلقاً، كما في حديث: ( الصلاة إلى الصلاة، ورمضان إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة... ) إلى آخره، فإن قلنا بأن العمل الصالح يكفر الصغائر مطلقاً فالحمد لله، فلسنا في حاجة إلى إثبات تكفيرها بتلك المكفرات ما دام الإنسان لم يرتكب كبيرة.
وإما أن نقول: لا يكفرها، فحسبنا أن الأدلة السابقة على تكفير الكبائر تدل على تكفير الصغائر من باب الأولى، فيكون أصحاب الصغائر -إن شاء الله تعالى- داخلون في هذا الوعد وفي هذا الفضل العظيم من الله سبحانه وتعالى.
وبقيت مسألة، وهي: هل ثبت عدم إنفاذ الوعيد على سبيل القطع أم على سبيل الظن؟ أي: هل مانع الدعاء ومانع الاستغفار قطعي أم ظني؟
والجواب: المانع ظني؛ لأنا لا ندري أقبل الدعاء أم لم يقبل؛ لأن الدعاء له شروط، وقد يعترضه موانع أيضاً، فهو ليس كالتوبة، فمن تاب فإننا نقطع -إن شاء الله- بأن الله تعالى يتوب عليه، ولا نعني المعين بالذات، لكن كل من تاب نجزم جزماً أنه يتوب الله تعالى عليه، ولا نجزم بأن كل من استغفر له يغفر له؛ لاحتمال أن يشوب هذا الاستغفار أو هذا الدعاء مانع من الموانع، أو أن يكون قد أخل فيه، أو لحكمة لله سبحانه وتعالى لا نعلمها، ومع ذلك نرجو أن يتقبل الله تعالى دعاء المؤمنين بعضهم لبعض، ومن علامة الخير أن يشهد المؤمنون للميت بالخير وأن يدعوا له وأن يكثروا من الاستغفار له؛ فقد جاء في الحديث: ( مر بجنازة فأثني عليها خيراً، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: وجبت وجبت وجبت، ومر عليه بجنازة فأثني عليها شراً، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: وجبت وجبت وجبت، ثم قال: أنتم شهداء الله في الأرض ) فقوله: (وجبت) للأول معناه: وجبت له الجنة والمثوبة والرحمة والمغفرة، والآخر وجبت له العقوبة، فالمؤمنون هم شهداء الله تعالى في الأرض، وهم الذين إن أحبوا أحداً فبحب الله له وبإذن الله؛ لأن الله تعالى ( إذا أحب عبداً نادى جبريل: يا جبريل! إني أحب فلاناً فأحبه. فيحبه جبريل، وينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه. فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض )، وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى، فمن أثنى عليه الصالحون المؤمنون خيراً فهذا نرجو له الخير عند الله، ونقول: إن هذا -إن شاء الله- من عمله الصالح ومن حسن خاتمته عند الله، وإن هذا من قبوله عند الله عز وجل، ونرجو ذلك رجاءً، ولا نجزم لمعين بأنه من أهل النار مهما كانت ذنوبه وفجوره، ولا بأنه من أهل الجنة مهما كان صلاحه وتقواه، وإنما نرجو للمحسن الثواب ونخاف على المسيء العقاب.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.