العبادة في غير وقتها عمل لم يكن عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم
وقالوا: إن من ترك الصلاة عامداً متعمداً في النهار، ثم جاء ليؤديها في الليل ظاناً أنه بذلك يسقط الإثم؛ فهو داخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )؛ لأنه لم يكن من أمره صلى الله عليه وسلم أن تؤدى صلاة النهار بالليل. قالوا: ولأن الوقت شرط في سقوط الإثم وامتثال الأمر، فكذلك هو شرط في براءة الذمة كبقية الشروط التي جعلها الشارع للصلاة، كالطهارة واستقبال القبلة وستر العورة وما أشبه ذلك، ولذلك يذكر العلماء رضي الله تعالى عنهم -ومنهم شيخ الإسلام - أن الإنسان إذا لم يمكن أن يؤدي الصلاة في وقتها إلا بترك شرط من شروطها؛ فإنه لا ينتظر حتى يحقق الشرط ولو خرج الوقت، بل يصليها مع فقدان الشرط، كرجل عريان أدركته الصلاة -وهو لا يجد ثوباً، فلا نقول له: انتظر حتى تجد ثوباً ثم صل. بل نقول: لا يجوز لك أن تؤخر الصلاة عن وقتها، وصل وأنت عريان، فلا يجوز أن يؤخرها، ويقبل الله تعالى منه صلاته وهو عريان، حتى يجد ما يستر عورته. فهذا القول هو الصحيح الذي لا يجوز الذهاب إلا إليه، بل بلغ من شدة شيخ الإسلام على من قال بغير ذلك أن وصف قوله بأنه قول ضلال، وليس اجتهاداً يقال فيه: إنه اجتهاد مقبول. كما أنهم استدلوا بحديث، غير أن في الاستدلال به نظراً، وهو حديث: ( من أفطر يوماً من رمضان في غير رخصة رخصها الله لم يجزه عنه صيام الدهر )، وهذا الحديث كثيراً ما يستدل به في رمضان، لكن الحقيقة أن هذا الحديث ضعيف، فقد رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة ، ورواه كذلك الإمام الترمذي و أبو داود و ابن ماجه و النسائي ، وسنده عند الجميع واحد، ولو أن هذا الحديث صح لكان نصاً في المسألة، لكنّه بهذا اللفظ لم يصح، وقد ضعفه الشيخ ناصر الدين الألباني في ضعيف الجامع ، وكذلك في ضعيف سنن ابن ماجه ، وقال ابن القيم رحمه الله في تعليقه على سنن أبي داود: (قال الدارقطني: ليس في رواته مجروح)، لكن هذه العبارة لا تنفي أن يكون فيهم مجهول لم يتعرض له بجرح ولا تعديل، والحقيقة أن فيه علتين: الجهالة والانقطاع، والذي رجحته من خلال البحث أن هذا الحديث ضعيف، وأنه لا يجوز الاستدلال به في هذه المسألة إلا إذا جبر ضعفه، وقد ذكر الشيخ الفقي تعليقاً على هذا الحديث لم أدر من أين أخذه وأين مصدره، كما أن الترمذي ذكر أن البخاري ذكره تعليقاً، وهو كذلك، وعلى كل حال فالمسألة موضع بحث وموضع نظر، والمترجح الآن أن الحديث ضعيف. إن العبادة إنما تكون صحيحة مقبولة إذا وافقت الأمر، ولا ريب في أن العبادة الواقعة في غير وقتها غير موافقة للأمر الذي أمر الله تعالى به، فلا تكون صحيحة، وأما إن فسر أداء العبادة بأنه سقوط القضاء؛ فإنما يسقط القضاء إذا وقع على الوجه المأمور به، وهذا لم يقع كذلك -أي: القضاء-، فلا يسقط الإثم؛ لأنه لم يقع على الوجه المأمور به، فلا تبرأ الذمة بهذه الصلاة التي أديت خارج الوقت.