امتثال الأمر بالعبادة المقيدة بوصف أو وقت أو شرط لا يتم إلا بقيدها
وقد احتجوا لما ذهبوا إليه بأن العبادة إذا أمر بها موصوفة بقيد معين أو في وقت معين لم يكن المأمور ممتثلاً للأمر إلا إذا أوقعها بذلك القيد على ما وردت في الشرع، أي: بشروطها وأركانها وواجباتها جميعاً، فإذا أخرجها عن وقتها فقد أخل بشرط مهم وهو شرط الوقت، فهو كمن صلاها إلى غير القبلة؛ لأن استقبال القبلة شرط من شروط الصلاة، أو كمن غير هيئة الركوع أو السجود فسجد على خده أو برك على ركبته وقال: هذا يقوم مقام الركوع! فقالوا: فهذا لا يقبل باتفاق؛ لأن الشرع أمرنا بهيئة معينة، فمن غيَّرها عامداً فلا ينفعه ذلك وإن ظن أنه يقوم مقام ما أمر الله تعالى به. وقالوا: إن العبادات التي جعل لها الشرع ظرفاً من الزمان لا بد من أن تؤدى فيه، كالعبادات التي جعل الشارع لها ظرفاً مكانياً، فلا بد من أن تؤدى هذه في زمانها وهذه في مكانها، مثل الحج والطواف، فلو أن أحداً وقف بغير عرفة عامداً لا يقبل منه ذلك، أو طاف بغير البيت لا يقبل منه ذلك، أو رمى غير الجمرات لا يقبل منه، قالوا: فكذلك من نقل الزمان إلى غير الزمان لا يقبل منه، كمن نقل المكان إلى مكان آخر. وكذلك قالوا في الصوم، فلو أن أحداً صام رمضان في شوال أو في ذي القعدة لا ينفعه ذلك ولا يقبل منه أبداً، قالوا: إذاً فإن حقوق الله المؤقتة لا يقبلها الله في غير أوقاتها، فكما أنها لا تقبل هذه الحقوق قبل دخول أوقاتها؛ فإنها لا تقبل بعد خروج أوقاتها. واستدلوا على ذلك بالكلمة المأثورة عن الصديق رضي الله عنه، وهي كلمة عظيمة تلقاها عنه الصحابة والسلف بالقبول، وكان بعضهم يوصي بها بعضاً، وهي قوله: [إن لله تبارك وتعالى حقاً بالليل لا يقبله بالنهار، وحقاً بالنهار لا يقبله بالليل]، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى -لما سئل عن هذا الحق- أن من أمثلة ذلك صلاة الظهر وصلاة العصر، فهما حق الله تعالى بالنهار، فلو أنهما أديتا في الليل لم يجز ذلك، وكذلك لو أن أحداً صلى صلاة الليل بالنهار، كالذين يصلون الفجر بالنهار، فهؤلاء -أيضاً- تركوا حقاً لله بالليل لا يقبله في النهار، وغير ذلك مما أوجبه الله تعالى مشروطاً بوقته، قالوا: فصلاة العصر إذا صلاها بعد خروج وقتها لم تكن عصراً، وإنما تكون شيئاً آخر، فهي عبارة عن ركعات ولكنها ليست هي صلاة العصر، فصلاة العصر هي التي يؤتي بها في وقت العصر، واستدلوا على ذلك بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله )، وفي حديث آخر: ( من ترك صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله )، فالحديث الأول فيه أن من تركها حبط عمله، ومن حبط عمله فإنه لا ينفعه شيء، إلا أن يتوب وأن يعود إلى ما افترضه الله عليه، ولو كان هناك سبيل إلى التدارك لم يحبط العمل الماضي، ويؤكد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ( فكأنما وتر أهله وماله )، يعني أنه كرجل فقد أهله وماله في وقت واحد، فما الذي يمكن أن يعوضهما؟! فكذلك من ترك هذه الصلاة العظيمة.