المادة    
  1. جعل محبة الله ورسوله فوق كل محبة

    هل هناك من يُحَبُ أعظم من الله عز وجل؟ ليس هناك أعظم من الله سبحانه وتعالى، فكل محبوب تحبه أنت فيجب أن يكون الله أحب إليك منه؛ لأنك إن أحببت الوالد، فمن الذي خلق الوالد والوالدة؟ ومن الذي سخرهما لك؟ ومن الذي حفظهما لك حتى ربياك؟ ومن الذي أودع في قلوبهما الرأفة والحنان والشفقة بك؟ إنه الله.
    لو أحببت الزوجة، فمن الذي خلقها؟ من الذي أعطاها الصفات التي أحببتها من أجلها في خَلْقِها أو في خُلُقِها؟ من الذي سخرها لك؟ إنه الله.
    وقد تحب شيخك، أو معلمك، أو أستاذك، فمن الذي أعطاه العلم؟ من الذي سخره ليعلمك؟ من الذي عقد بينك وبينه هذه المحبة؟ إنه الله.
    إذاً: كل من تحبه في هذه الدنيا وتقدره، وتعظمه، فالفضل أولاً وآخراً لله تبارك وتعالى عليك وعليه فوجب أن تحب الله أكثر من محبتك لهؤلاء جميعاً، ولهذا أشد محبة وأعظمها إلى الإنسان هي محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لما قال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: ( والله يا رسول الله! إنك لأحب إلي من كل شيء إلا من نفسي -هل أقره النبي صلى الله عليه وسلم؟ لا- قال: لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من كل شيء، حتى من نفسك، قال: الآن يا رسول الله! أنت أحب إلي من كل شيء حتى نفسي )، وهذه حقيقة الإيمان؛ لأن من كان يريد أن يكون في مثل درجة عمر ، فلا بد أن يصل به الحال إلى هذا المستوى، ألا يحب وألا يؤثر على محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أي شيء؛ حتى نفسه التي بين جنبيه؛ لأن هذه النفس إنما جاءها الخير والصلاح والهدى من غيرها، وإلا فمن أين جاءنا الخير والصلاح والهدى؟ ومن أين الوسيلة التي نصل بها إلى النعيم الأبدي الخالد عند الله سبحانه وتعالى؟ كل ذلك كان من طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
  2. من لوازم محبة الله سبحانه وتعالى

    يجب أن يكون الله عز وجل أحب إلينا من أنفسنا؛ إن أردنا أن نكون من أهل الدرجة العليا وهكذا هي محبة الله تبارك وتعالى، والذلة للمؤمنين، والغلظة على الكافرين شرط في حصول ذلك، كما ذكر الشيخ رحمه الله تبارك وتعالى، ولذلك عقب على الغلظة بالجهاد، كما قال تعالى: (( يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ))[المائدة:54].
    يقول: (فإن من تمام المحبة مجاهدة أعداء المحبوب).
    إذا كنا نحب الله، فكيف نرضى ونسكت عمن يقول: إن لله تبارك وتعالى ولداً؟ كما قال ذلك اليهود و النصارى ، وكيف نرضى عن قول اليهود كما حكى الله عنهم: (( يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ))[المائدة:64]، وعندما يقول اليهود : (( إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ))[آل عمران:181] وعندما يكذبون رسل الله، وعندما يدعي النصارى أن لله ولداً، تبارك وتعالى وتنزه عن هذا القول المنكر المفترى العظيم، الذي تكاد السماوات يتفطرن منه، وتنشق الأرض، وتخر الجبال هداً؟! هكذا يقول النصارى و اليهود.
    والمشركون يعبدون من دون الله حجارة وأصناماً، ويظنون أنها تقربهم إلى الله، وأنها واسطة بينهم وبين الله، فحق الله الذي خلقهم ورزقهم يصرفونه إلى هذه الحجارة وهذه الأوثان والأشجار والقبور.. وغير ذلك، هذا أمر عظيم، فمن عرف الله وأحب الله، فإنه يجب أن يتقرب إلى الله بقتال هؤلاء -أعداء الله- الذين تركوا عبادته والإخلاص له الذي أمرهم به، كما قال تعالى: (( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ))[البينة:5]، فتركوا ذلك وذهبوا إلى عبادة غير الله، والافتراء على الله، وادعوا لله تبارك وتعالى ما ليس له.
    وأقول -ولله المثل الأعلى-: هل يعقل أن تحب أحداً من الناس وتقول أنا أحبه غاية المحبة، ولا تعادي من يفتري عليه أعظم الافتراء، ويبهته أعظم البهتان؟ مستحيل، حتى إن الواحد من الناس يقال له: ألم يكن فلان حبيبك؟ فيقول: نعم، هو حبيبي وأخي، لكن لما رأيته أبغض فلاناً، وافترى عليه، وكذا وكذا كرهته، فلسان حاله يقول: ليس بيني وبينه أي شيء، لكنه أبغض من أُحب، وكذب على من أُحب، واتهم من أُحب، وأبطل حق من أُحبه محبة عظيمة؛ فكانت العاقبة أن أقطع ما بيني وبينه.
    إذاً: هكذا المؤمنون لو أحبوا الله تبارك وتعالى حق المحبة؛ لعادوا الكافرين أشد العداوة، وأحبوا المؤمنين أشد المحبة ومقتضى هذه العداوة أن يجاهدوا باليد بعد المجاهدة بالبيان، يجاهدون بالسنان مع إقامة الحجة عليهم بالدعوة والبرهان، وينتقلون معهم من حال المجادلة إلى حال المجالدة، وهذا لا بد منه، ولذلك تأتي هذه الصفة كأنها صفة لازمة، فإنك لو تأملتم السياق: (( يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ))[المائدة:54] فهل المحبة صفة لازمة أو عارضة للمؤمن؟ لاشك أنها لازمة.
    وكذلك قوله: (( أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ))[المائدة:54] هي صفة لازمة وثابتة.
    إذاً: يجاهدون في سبيل الله لازمة؛ لأنه مستحيل أن تكون بهذه الدرجة، وأن تدعو إلى الله ولا تجاهد في سبيل الله؛ فلابد من المجاهدة.
    هذه الأمة في مجموعها لا بد لها أن تجاهد؛ لأن من سنة الله تبارك وتعالى أنه ما قام أحد بأمر هذا الدين إلا عودي، وهذا ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم من ورقة بن نوفل ، فأول ما نزل عليه صلى الله عليه وسلم الوحي لم يكن قد قرأ عن أخبار الأنبياء من قبل، ولا علم ولا عرف ما ابتلوا به، فأتت به خديجة إلى ورقة بن نوفل ، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: ( ليتني أكون فيها جذعاً إذ يخرجك قومك، فأنصرك نصراً مؤزراً، فتعجب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أو مخرجي هم؟ ) لماذا يخرجونني؟ هل قوله تعالى: (( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ))[العلق:1] فيها شيء يقتضي الإخراج أو الأذى؟ ما الذي فيها؟
    فقال له ورقة : ( ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا عودي ) وورقة لا يعلم الغيب، ولكنه يعلم أنها قاعدة وسنة ماضية في الرسل من قبل؛ لأنه كان يقرأ عن أهل الكتاب أنه ما جاء نبي من أنبياء الله ودعا إلى الله إلا عودي وحورب وأوذي؛ فمنهم من قتل، ومنهم من طرد، أو أوذي، أو حبس، أو... إلى آخره.
    فلابد من نوع من الأذى والابتلاء يصيب الداعية إلى الله؛ ولهذا يقول الله تبارك وتعالى لعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم: (( مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ ))[فصلت:43] فليس فيه جديد، (( كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ))[الذاريات:52] نفس العبارة (( أَتَوَاصَوْا بِهِ ))[الذاريات:53] يعني: هل كتب قوم نوح وثيقة؟ هل كتبت عاد إلى ثمود: إذا جاءكم وبعث فيكم رجل، ودعاكم إلى مثل ما دعانا إليه هود فقولوا له كما قلنا؟
    أبداً. لم يتواصوا به، إنما هي سنة واحدة، الطغيان واحد، والإعراض واحد، والرد واحد؛ لأنه كما قال تعالى: (( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ))[الفرقان:31].
    إذاً: ما دام الأمر كذلك فكل من تصدر لهذا الدين لا بد أن يجاهد.
    والطائفة المنصورة الموعودة بنصر الله تبارك وتعالى من صفاتها: أنهم يجاهدون ويقاتلون في سبيل الله، كما في الروايات الصحيحة ( لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم ).