المادة    
إن هذا الضلال وهذا الفساد قد عم جميع أنحاء العالم الإسلامي إلا ما رحم الله، فهؤلاء رجال الغيب أو الأقطاب والأوتاد والأبدال أوجزنا الكلام فيهم ولخصناه جداً، كما يعتقد فيهم هؤلاء من كلام ابن عربي الذي نقله عنه الشعراني ، نعرف به أن الأولياء عند هؤلاء القوم - الصوفية - شيء آخر غير ما يعرفه المؤمنون من أنواع الأولياء، ومن أنواع عباد الله المؤمنين الذين آمنوا وكانوا يتقون، فكل من اتقى الله تبارك وتعالى وآمن فهو ولي من أولياء الله، أما هذه الأوصاف فلم تعرف، ولم ترد عن السلف إلا كلمة: البدل، فقد جاءت في حديث مرفوع ذكرنا درجته سابقاً، مع أنه قد توجد كلمات أو مصطلحات عند الصوفية، وهذا أكثر شيء لا أصل له بالمرة، وإنما أحدثوها هم أو نقلوها من الأمم الأخرى، وقد يوجد بعض المصطلحات الشرعية، ولكن هؤلاء القوم يضعونها في غير محلها، فمثلاً: كلمة الملكوت في قوله تعالى: (( قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ))[المؤمنون:88]، وكلمة: الجبروت، إذ إن لهما معنى عاماً عند أهل السنة والجماعة غير المعنى الذي يدعيه الصوفية من أن هناك عالماً اسمه: عالم الملكوت، وعالم آخر اسمه: عالم الجبروت، وكذلك: (الولي) له مصطلح عندنا غير المصطلح عندهم وهكذا.
وبالتالي فهؤلاء القوم قد تكون البدعة عندهم موضوعة من أصلها، يعني: بأوصافها وأسمائها، وقد يزيدون في بعض المصطلحات الشرعية ما لم يأذن به الله، وقد ينقصون في البعض الآخر، فهم أصحاب هوىً، يحكمون ويتبعون أهواءهم وما تلقيه إليهم شياطينهم الذين قال الله تبارك تعالى عنهم: (( يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ))[الأنعام:112]، ولما قيل لـعبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه: المختار يزعم أنه يوحى إليه! فهل هذا حق؟ فتأمل ستجد أن دعوى الإلهام أو الكشف أو العلم اللدني أو تلقي الوحي غير الوحي المعروف قديمة، فقال ابن عمر : نعم، ثم ذكر قوله تعالى: (( شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ))[الأنعام:112]، فهم يوحون إلى أوليائهم، وكما قال في الآية الأخرى: (( وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ))[الأنعام:121].
وهذا الوحي الذي يأخذونه ويتلقونه يسطرونه ويكتبونه ويدعون أنه هو الحق، وليتهم يقفون عند هذا، بل يكفرون ويضللون ويبدعون من خالفهم، ولذلك تجد في كلام الشعراني وأمثاله من الطعن على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله والحط من شأنه؛ لأنه كان عدواً لهؤلاء المجرمين المفترين على الله الكذب، المبطلين الذين جعلوا هذا الدين أضحوكة لأعداء الله، فإن كثيراً من عقلاء الفلاسفة وأمثالهم لما يجدون أن هذا هو دين الإسلام كما يدعي هؤلاء يكفرون بهذا الدين، ويسخرون به وبأهله، ويقولون: هذه فلسفة قديمة وثنية مزجت ثم أعيدت إلينا، فلا يؤمنون بها، فيكون هؤلاء سبباً في أن يصد كثير من الخلق عن دين الله؛ لأنهم شوهوه وانتحلوه وأدخلوا فيه ما ليس منه.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يصلح أحوال هذه الأمة، وأن يكثر فيها من الأولياء الصادقين الصالحين المصلحين القانتين الأوابين المجاهدين الذاكرين الله كثيراً، الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، الذين يعبدون الله تبارك وتعالى ظاهراً وباطناً، ويتقربون إليه بالنوافل بعد الواجبات، فهؤلاء هم الأولياء الذين يوالون في الله، ويعادون في الله، ويعطون لله، ويمنعون لله، ولا يخالفون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء، بل هم أحباب الله الذي يتبعون رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: (( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ))[آل عمران:31].
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.