المادة    
قال المصنف رحمه الله:
[وقد أبدلتها المعتزلة بأصولهم الخمسة التي هدموا بها كثيراً من الدين، فإنهم بنوا أصل دينهم على الجسم والعَرَض الذي هو الموصوف والصفة عندهم، واحتجوا بالصفات التي هي الأعراض على حدوث الموصوف الذي هو الجسم، وتكلموا في التوحيد على هذا الأصل، فنفوا عن الله كل صفة؛ تشبيهاً بالصفات الموجودة في الموصوفات التي هي الأجسام.
ثم تكلموا بعد ذلك في أفعاله التي هي القدر، وسموا ذلك (العدل).
] اهـ.
الشرح:
موجز كلامه رحمه الله هو أن المعتزلة جعلت أصول الدين خمسة:
الأول: التوحيد، والثاني: العدل، والثالث: الوعد والوعيد، والرابع: المنزلة بين المنزلتين، والخامس: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
هذه هي الأصول الخمسة للمعتزلة، كما لخصها المصنف رحمه الله.
فمن هم المعتزلة ؟ ومن قادتهم؟ وماذا يريدون؟
  1. أثر الفلسفة في نشأة مذهب المعتزلة

    بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم والناس في ظلمات الكفر والشرك والبدع والضلالات التي أُحدثت في دين الله تبارك وتعالى، وغُيِّرَتْ بها ملة إبراهيم عليه السلام، ولم يكن الناس خلواً من العقول، بل كانوا أهل عقول تفكر، فكان عند اليونان : أرسطو، وأفلاطون، وسقراط، وأفلوطين، وفورفوريوس وأمثالهم، وكان عند الهنود: بيدبا الحكيم، وكان عند الفرس أيضاً أهل الأمثال والحكم؛ كـأنوشروان وشيرويه، فكل أمة لها مفكرون، ولديها عقلاء بحثوا في الأمور العقلية؛ في الطبيعيات، وفي الإلهيات، وفي الرياضيـات.
    والله سبحانه وتعالى بعث هذا الرسول صلى الله عليه وسلم ليخرج الناس من الظلمات إلى النور؛ قال تعالى:((كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ))[إبراهيم:1] فكل الفلسفات التي جاء بها أولئك المفكرون ظلمات لا تغني من الحق شيئاً، ولا تغني الناس عن الوحي، ولا تغنيهم عن الكتاب، ولا تغنيهم عن بعثة رسول، ولو أن الناس يستغنون عن الرسل بتلك الفلسفات، لوكلوا إليها، ولما احتيج إلى رسول يبعثه الله.
    وقد أرسل الله سبحانه وتعالى هذا الرسول النبي الأمي محمداً صلى الله عليه وسلم على حين فترة من الرسل بالحق المبين، ودعا إليه الخلق أجمعين، ولم يجعل طريقاً إلى معرفته ولا إلى جنته إلا طريق هذا الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يسع أحداً -كائناً من كان- أن يخرج عن شريعته وأمره ونهيه وما جاء به أبداً.
    وبعد أن أظهر الله تعالى هذا الدين على العالمين، وأخضع له الدولتين العظيمتين؛ جاء فروخ الفلاسفة واليهود والنصارى، وأخذوا الفلسفات والحكم -بزعمهم- وقالوا: لابد من تعلمها ومن نشرها بين المسلمين.
    وهناك اختلاف حول تحديد من كان السبب في نشر الفلسفة اليونانية، وفي ترجمة كتبها، ولا يهمنا ذلك التحديد بقدر ما يهمنا أن الأمر قد وقع، وأن أناساً أعرضوا عن كتاب الله وعن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطلبوا الهدى في غير ما شرع الله، فقالوا: وما لنا لا نتعلم ونقرأ حكمة اليونان، ونقرأ حكمة الهند وفارس والصين، ونفيد منها، فإنهم كانوا أهل عقول؟! فنقول: نعم كانوا أهل عقول؛ ولكن لو أن هذه العقول تجدي وتهدي لما احتيج إلى رسول.
    لكنهم هكذا ظنوا، وبعضهم في الأصل يعتقدون هذه الأديان والفلسفات، ولم يخرجوا عنها، كما هو حال الصابئة وأمثالهم، لكنهم تستروا بالإسلام نفاقاً، كما فعل المنافقون في المدينة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم يرون الآيات الباهرات على نبوته وصدق رسالته، فما بالكم بالذين دخلوا الإسلام في غير عهده صلى الله عليه سلم؟! ألا ينافقون؟! لقد نافقت كثير من الأمم، فأظهروا الإسلام وأبطنوا خلاف ذلك، ومما يدعو إلى هذا النفاق أن الدين الإسلامي العظيم هو دين العقل، وهو دين التفكر والتدبر، فمن هنا دخل بعض المنافقين وأعجبوا بما في هذا الدين من الحث على التدبر والتفكر، فأخذوا بهذا الجانب، ولكنهم تفكروا وتدبروا في غير ما أمروا أن يتفكروا فيه ويتدبروا، وأعملوا عقولهم كما يشاءون؛ فقالوا: نحن نفكر ونتدبر، ونحن نقيم الحجة على الكافر.
    وهناك بعض العلماء دافع عن المعتزلة، ولا نعني بذلك علماء السنة الذين عاصروهم وعرفوهم، والذين يحتج بقولهم، ولكن بعض الكتاب أو بعض المتأخرين؛ يدافع هؤلاء الكتاب عن الجهمية أو المعتزلة أو أشباههم؛ بحجة أنهم كانوا على حسن نية، وأنهم يريدون الدفاع عن الإسلام؛ فنقول: النيات علمها عند الله، والمحاسب عليها هو الله؛ لكن: أيدافع عن الإسلام بما يهدمه؟! أيدافع عن القرآن بأن يضرب بعضه ببعض؟! أتلغى آيات الوعد لتنفذ آيات الوعيد؟! أتهمل آيات الصفات لتنفذ آيات التنزيه؟!
    إن الدفاع عن كتاب الله ودينه إنما يكون باتباع منهج رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد كتب صلى الله عليه وسلم إلى هرقل إمبراطور تلك الأمة -التي جاءت بهذه الفلسفات وهذه المعقولات والنظريات- رسالة يدعوه فيها إلى الإسلام، وقد كان أباطرتهم على علم بهذه العلوم جميعاً، ويتربون على عقيدتهم وعلى دينهم النصراني المحرف، ولم يكتب صلى الله عليه وسلم إلى هرقل في تلك الرسالة عقلانيات مجردة، ولا أنه صلى الله عليه وسلم سيرسل إليه وفداً ليناظروه وليتجادل معهم بنفسه، أو ليخرج من علمائه من يجادلهم، ومن يغلب يكن الحق معه... ما فعل ذلك صلى الله عليه وسلم، بل كتب إليه: {من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين، و(( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ))[آل عمران:64] } ... الحديث. وذلك استجابة منه صلى الله عليه وسلم لما أمره به عز وجل بقوله: ((قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ))[الأنبياء:45] والوحي هو القرآن والسنة التي تشرحه وتفسره.
    فهذه رسالته صلى الله عليه وسلم إلى عظيم الروم؛ آية من كتاب الله سبحانه وتعالى، ومقدمة قصيرة قبلها؛ فإن آمن فقد آمن بما أنزل الله واتبع كتاب الله، وإن كفر فقد كفر بكتاب الله؛ فالمناط هو كتاب الله، وهو الوحي الذي أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن ينذر به.
    وإن المعتزلة وأشباههم لهم صلة قوية جداً بما كان عليه فلاسفة اليونان، ومتكلمو النصارى، ونشأتهم ظاهرة التأثر بهؤلاء، وقد مر معنا في مبحث الكلام بيان شيء من هذه الحقيقة.
  2. قادة المعتزلة ورجالهم الأوائل

    يرجع أصل الاعتزال إلى رجلين اثنين هما: عمرو بن عبيد، وواصل بن عطاء، وواصل بمثابة الشيخ الأكبر للمعتزلة أو المؤسس ومعه عمرو بن عبيد قبحهما الله جميعاً.
    أما واصل بن عطاء فسيرته عجيبة، وقد ترجم له في أكثر الكتب المعنية بالرجال والتاريخ، وترجمته في الميزان، وفي لسان الميزان، وسير أعلام النبلاء، ووفيات الأعيان، والكامل، والبيان والتبيين للجاحظ وغير ذلك.
    ولد واصل بن عطاء في المدينة سنة (80) من الهجرة، وتوفي سنة (131هـ)، كان داهية ذكياً، ولكن هل ينفع الذكاء إذا تجرد عن الإيمان؟! ونضرب لكم بعض الأمثلة من ذكائه، ومن المعلوم أن المنطق والبيان والفصاحة لا ينالها كل أحد، وهذا الرجل من عجائبه في ذلك أنه كان ألثغ، أي: لا يستطيع أن ينطق بحرف الراء، وإنما ينطقها دائماً (غاء)، فمن فصاحته وقوة بيانه أنه كان يخطب الخطب الطويلة البليغة، ولا يأتي فيها بحرف راء أبداً، وهذا شيء صعب جداً، لا يستطيع فعله إلا المتمكن من اللغة، فالوقوف أمام الناس والتحدث إليهم لا يؤتاه كل أحد، بل بعض الناس لديه العلم والحكمة والفهم، لكنه لا يستطيع أن يخطب، لكن هذا الرجل -كما قيل في ترجمته- كان ألثغ قبيح اللثغة في الراء، فكان يتخلص منها ولا يفطن إلى ذلك أحد؛ حتى مدحه شعراء المعتزلة، فقال أحدهم:
    عليم بإبدال الحروف وقامع            لكل خطيب يغلب الحق باطله
    وقال آخر:
    ويجعل البر قمحاً في تصرفه            وخالف الراء حتى احتال للشعر
    (ويجعل البر قمحاً)، أي: إذا أراد أن يقول: (البر) وهي بالراء، يقول: (القمح) في تصرفه.
    (وخالف الراء حتى احتال للشعر)، أي: أنه كان لا يقدر أن يقول: شعر. فكان يحتال حتى لا يأتي بهذه الكلمة.
    ولم يطق مطراً والقول يعجله            فعاذ بالغيث إشفاقاً من المطر.
    ومما ينقل عنه أن أحد الناس أراد أن يحرجه في مجلس من المجالس، وكان فيه الخليفة أو أنه سوف يبلغ الخليفة، فكتب إليه ورقة وقال: اقرأها يا واصل، وكتب فيها: أمر أمير المؤمنين بحفر بئر على قارعة الطريق، يشرب منها الوارد والصادر. فنظر إليها وكلها بحرف الراء، وهو لا يقدر أن ينطقها، فأراد أن يتخلص منها وبدون أن يفطن إليه أحد، فأخذ الورقة تلك، وقال: قضى الخليفة بشق جب على السكة يتزود منها الغادي والجائي، وتخلص منها كلها في لحظة ولم يفطن إليه أحد.
    وذكر الجاحظ أن بشار بن برد -وكان زعيماً للزندقة والإلحاد- كان صديقاً لـواصل بن عطاء، ثم افترقا كعادة أهل البدع.
    وهذه قاعدة: إذا رأيت أناساً مجتمعين وأردت أن تعرف هل اجتمعوا على سنة أم على بدعة، فانظر إليهم، فإن كانوا على بدعة فسيتفرقون شذر مذر، بل قد يكفر بعضهم بعضاً، وإن كانوا على سنة فسيجمع الله تعالى قلوبهم بإذنه -فأخذ بشار يدين بدين المجوس الأول، ويدين بالرجعة، ويكفر جميع الأمة، حتى كفر واصلاً وعمرو بن عبيد، وأخذ يهجو واصلاً بعد أن كان يمدحه بالشعر، وكان بشار أكبر شعراء الدولة العباسية، فقلب المدح إلى هجاء، فلما بلغ واصلاً نبأ بشار، قال: أما لهذا الأعمى المكتني بـأبي معاذ من يقتله؟! أما والله لولا أن الغيلة خلق من أخلاق الغالية لبعثت إليه من يبعج بطنه على مضجعه.
    يقول الجاحظ : قال: (هذا الأعمى) ولم يقل: (الضرير)، وقال: (المكتني بـأبي معاذ ) ولم يقل: (بشار )؛ لأنه لا يقدر أن ينطق بحرف الراء، وقال: (من أخلاق الغالية، وكان يستطيع أن يقول: (من أخلاق الخوارج) أو المغيرية -من فرق الخوارج - لكنه تجنبها وقال: (خلق من أخلاق الغالية)، ثم قال: (لبعثت إليه) بدل أن يقول: (لأرسلت). ثم قال: (من يبعج بطنه) بدل أن يقول: (يبقر بطنه). ثم قال: (وهو على مضجعه) بدل أن يقول: (وهو على فراشه). فهو رجل عجيب متمكن في اللغة وفي الجدل، وكان يقال له: واصل الغَزَّال، وقد رجع أحد الشعراء عن بدعتهم، فأنشد يقول:
    برئت من الخوارج لسـت منهم            من الغزال منهم وابن باب
    ومن قوم إذا ذكـروا علياً            يطيلون التأمل في السحاب
    فـالغزال هو واصل بن عطاء ؛ وقد يطلق هذا الاسم في كتب الكلام، فيكون هذا المقصود، ثم اختلفوا في سبب تسميته بـالغزال، فقيل: لأنه كان يجلس في سوق الغزل، وقيل غير ذلك.
  3. اعتزال واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد لحلقة الحسن البصري

    كان الحسن البصري رحمه الله تعالى جالساً في الحلقة في المسجد، فجاءه إنسان يسأله فقال: إن الناس قد اختلفوا؛ فما تقول في مرتكب الكبيرة؟ وكان الخلاف قد اشتد بين الخوارج وبين أهل السنة وبين المرجئة، فـالخوارج يقولون: هو كافر، وأهل السنة مذهبهم في مرتكب الكبيرة أنه مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته، فهو عندهم مؤمن ناقص الإيمان، وأما المرجئة فيقولون: هو مؤمن، ويعنون كامل الإيمان، فلما قيل ذلك للحسن وفي حلقته هذان الرجلان: واصل وعمرو، قال الحسن رحمه الله: لا أراه مؤمناً ولا أراه كافراً وإنما هو منافق، أي: أنه أخذ المسألة من الجانب التربوي لا كما يظن البعض أنه جاء بقول جديد، وخرج عن معتقد أهل السنة، إنما أخذها من الجانب التربوي، فهو رجل واعظ، يعلم الناس ويعظهم؛ فيقول: كيف نقول أن مرتكب الكبيرة مؤمن وهو يرتكب الكبائر؟! وكيف نقول أنه كافر وهو لم يخرج من الملة؟!
    إذاً: هذا منافق؛ لأن المنافق هو الذي يقول ما لا يفعل، هو الذي يخلف إذا وعد، وهذا الرجل أخلف ونقض عهده مع ربه، يقول بلسانه: أنا مؤمن ويذهب يشرب الخمر.. هذا ما أورده الحسن رحمه الله.. لكن الله سبحانه وتعالى -بحكمته- أراد أن تفتن هذه الكلمة قلبين مريضين كانا يجلسان في الحلقة، وهما: واصل وعمرو، فبادرا بالجواب، وقالا للرجل: هذا ليس بكافر ولا بمؤمن، فقال السائل: فكيف إذاً؟! قالا: في منزلة بين المنزلتين؛ فهو في منزلة ليست هي منزلة الكفر ولا منزلة الإيمان، فلا نقول: خرج من الملة بالكلية، ولا نقول: دخل في الكفر، ولكنه في منزلة بين منزلتين.
    والمنزلة التي ذكراها لا وجود لها ولا حقيقة، فابتدعا هذه البدعة، واعتزلا مجلس الحسن البصري إلى سارية من السواري، وأخذا يشرحان هذا الكلام للناس، حتى قال الحسن : اعتزلنا واصل، فسموا معتزلة .
    ثم أخذ واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد يؤسسان دينهما على ما تعلماه من علوم الفلاسفة .
  4. نشاط واصل بن عطاء في نشر الاعتزال في الأقطار

    قال صاحب المنية والأمل أحد مؤلفي الشيعة، والشيعة هم في العقيدة معتزلة، ولهذا من يكتب عن الشيعة فإنه يكتب عن المعتزلة وهاهو صاحب المنية والأمل في الفرق والملل والنحل وهو من كتب الشيعة ترجم للمعتزلة، وذكر أمراً عجيباً.
    يقول: قال أبو الهذيل العلاف -من الجيل الثاني من أجيال الاعتزال-: بعث واصل عبد الله بن الحارث إلى المغرب، فأجابه خلق كثير، وبعث إلى خراسان حفص بن سالم ؛ فدخل ترمذ ولزم المسجد حتى اشتهر، ثم ناظر جهماً شيخ الجهمية، وبعث القاسم إلى اليمن، وبعث أيوب إلى الجزيرة -يعني: الجزيرة التي بين نهري دجلة والفرات، وهي شمال العراق وسوريا - وبعث الحسن بن ذكوان إلى الكوفة، وعثمان الطويل إلى أرمينية .
    انظروا كيف نظم خلايا خبيثة، وبعث رجاله إلى كل بلد لنشر الاعتزال، وهدم مذهب أهل السنة والجماعة !
    ومؤلفات واصل بن عطاء عبارة عن كتب صغيرة، ككتاب أصناف المرجئة، وكتاب: المنزلة بين المنزلتين وكتاب ما جرى بينه وبين عمرو بن عبيد .
    وهناك كتب أخرى لا يهمنا ذكرها وإنما هي رسائل، مثل خطبته التي أخرج منها الراء، ولا تعد كتاباً.
  5. الأصول الاعتزالية التي أصلها واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد

    واصل هذا هو الذي شرع للمعتزلة مسألة نفي صفات الله سبحانه وتعالى وهي الأصل الأول من أصولهم وهو التوحيد.
    فبعد القول بالكبيرة أخذ يؤصل لهم مسألة التوحيد، ثم مسألة القول في مرتكب الكبيرة وما يترتب على ذلك، ثم خاضوا في مسألة مهمة في ذلك الزمن وهي مسألة: الصحابة والإمامة، وكان لـعمرو بن عبيد القول الشاذ الذي قال به، ولم يُسبق إليه، قال: نتوقف في علي ومن معه وفي طلحة والزبير ومن معهما -يعني: من أصحاب الجمل- ونقول: إحدى الطائفتين فاسقة لا بعينها.
    وقال: لو شهد عندي علي، أو طلحة، أو الزبير، أو عائشة على درهم لم أقبل شهادتهم. نعوذ بالله من الخذلان!! يعني: أنه بوقوع القتال وقع الفسق، ونحن لا نعلم من كان منهم على صواب، وعليه فنتوقف في الجميع، ولو شهد عندنا أحد هؤلاء الأجلاء من الصحابة رضوان الله عليهم، فلن نقبل شهادته؛ لاحتمال أن يكون هو الفاسق -في منزلة بين المنزلتين- إن لم يكن كافراً على مذهب هؤلاء الضلال.
    وهذه المسألة هي التي تكلم الناس فيها عن سوء مذهب هذا الرجل، وكذلك له كلام في مسألة القدر، ولذلك فإن أصحابه يسمون المعتزلة، ويسمون القدرية كما ذكرنا في باب القدر؛ لأنهم يقولون: العبد هو الخالق لأفعاله، ويقولون: ننزه الله عن المعاصي، فننكر أن يكون الله سبحانه وتعالى يريد المعاصي والقبائح أو يشاؤها، أو يقدرها، أو يخلقها.
    هذه من أصولهم التي أسسها هذان الرجلان: واصل وعمرو بن عبيد، وهما الطبقة الأولى من طبقات المعتزلة، وقد أعقبهما ذلك أن كان بينهما مناقضات.
    وقد اشتهر عمرو بن عبيد بالتزهد، فقد كان يظهر التزهد ولا يأكل إلا الكفاف والقليل من العيش، فغر بذلك كثيراً من الناس.
    فلا يغتر المرء بمن قد يراه رث المظهر أو متقشفاً أو بعيداً عن الحياة، فيقول: هذا زاهد فهو على السنة والاستقامة.
    إن الخوارج كانوا أشد الناس في هذا الأمر، ويليهم المعتزلة وأئمة الصوفية في ذلك، بل إن رهبان النصارى كانوا كذلك، فالحق لا يعرف بهذه الأمور، ولكن بموافقة ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والزهد الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه معروف مشهور، ولا ينبغي أن يخلط بزهد أولئك المبتدعة الضُّلاَّل.