واصل هذا هو الذي شرع
للمعتزلة مسألة نفي صفات الله سبحانه وتعالى وهي الأصل الأول من أصولهم وهو التوحيد.
فبعد القول بالكبيرة أخذ يؤصل لهم مسألة التوحيد، ثم مسألة القول في مرتكب الكبيرة وما يترتب على ذلك، ثم خاضوا في مسألة مهمة في ذلك الزمن وهي مسألة: الصحابة والإمامة، وكان لـ
عمرو بن عبيد القول الشاذ الذي قال به، ولم يُسبق إليه، قال: نتوقف في
علي ومن معه وفي
طلحة و
الزبير ومن معهما -يعني: من أصحاب الجمل- ونقول: إحدى الطائفتين فاسقة لا بعينها.
وقال: لو شهد عندي
علي، أو
طلحة، أو
الزبير، أو
عائشة على درهم لم أقبل شهادتهم. نعوذ بالله من الخذلان!! يعني: أنه بوقوع القتال وقع الفسق، ونحن لا نعلم من كان منهم على صواب، وعليه فنتوقف في الجميع، ولو شهد عندنا أحد هؤلاء الأجلاء من الصحابة رضوان الله عليهم، فلن نقبل شهادته؛ لاحتمال أن يكون هو الفاسق -في منزلة بين المنزلتين- إن لم يكن كافراً على مذهب هؤلاء الضلال.
وهذه المسألة هي التي تكلم الناس فيها عن سوء مذهب هذا الرجل، وكذلك له كلام في مسألة القدر، ولذلك فإن أصحابه يسمون
المعتزلة، ويسمون
القدرية كما ذكرنا في باب القدر؛ لأنهم يقولون: العبد هو الخالق لأفعاله، ويقولون: ننزه الله عن المعاصي، فننكر أن يكون الله سبحانه وتعالى يريد المعاصي والقبائح أو يشاؤها، أو يقدرها، أو يخلقها.
هذه من أصولهم التي أسسها هذان الرجلان:
واصل و
عمرو بن عبيد، وهما الطبقة الأولى من طبقات
المعتزلة، وقد أعقبهما ذلك أن كان بينهما مناقضات.
وقد اشتهر عمرو بن عبيد بالتزهد، فقد كان يظهر التزهد ولا يأكل إلا الكفاف والقليل من العيش، فغر بذلك كثيراً من الناس.
فلا يغتر المرء بمن قد يراه رث المظهر أو متقشفاً أو بعيداً عن الحياة، فيقول: هذا زاهد فهو على السنة والاستقامة.
إن الخوارج كانوا أشد الناس في هذا الأمر، ويليهم المعتزلة وأئمة الصوفية في ذلك، بل إن رهبان النصارى كانوا كذلك، فالحق لا يعرف بهذه الأمور، ولكن بموافقة ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والزهد الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه معروف مشهور، ولا ينبغي أن يخلط بزهد أولئك المبتدعة الضُّلاَّل.