المادة    
وتتعجب كيف نجح الشيطان هذا النجاح الغريب العجيب في أمة تقرأ ليل نهار: (( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ))[الحجرات:13]، وتقرأ قوله سبحانه وتعالى: (( إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ ))[الأنفال:34]، وتقرأ قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن بني فلان ليسوا لي بأولياء، إنما وليي الله، وصالح المؤمنين )، وقوله: ( المسلم أخو المسلم )، وقوله: ( كونوا عباد الله إخواناً )، وأكثر الناس -إن لم نقل كلهم- لا يشكون في هذه الحقيقة، ولا يمارون فيها كحقيقة ومعتقد نظري، لكن تجدهم في واقعهم في الحياة يغمزون فلاناً: إما لقبيلته، أو لحرفته، أو لجنسيته، أو لقيمته الاجتماعية، أو لغناه، أو لفقره، وما من سبب من الأسباب إلا ويأتي به الشيطان؛ لكي لا يجتمع قلبان من هذه الأمة.
فهذا هو الهدف، وهذا هو الغرض، والشيطان لا يريد ذلك أبداً؛ ولهذا فأعدى أعدائه هم أولياء الله المتقون الصالحون، وهم النزاع من القبائل كما جاء في الحديث، فتحابوا وتعارفوا على غير أرحام بينهم، أو دنيا تجمعهم، وإنما تلاقوا واجتمعوا على محبة الله، وعلى طاعة الله، ففيهم الأبيض، والأسود، والأحمر، والصغير، والكبير، والعربي، والأعجمي، والقبلي، والحضري.. إلى آخره، فكل هذه الانتماءات لا نظرة لها عندهم على الإطلاق أبداً، وقد ترفعوا عنها؛ لأنهم لا يريدون بأي حال من الأحوال أن يكونوا كذلك الجعل الذي يدهده القذر بأنفه، فهم يتعاونون بمعيار التقوى، وكل منهم يعرف قدر الآخر.