المادة    
  1. النوع الأول: تفاوت ليس للإنسان فيه إرادة

    القضية الثانية: أن الله سبحانه وتعالى بحكمته خلق الخلق مختلفين ومتفاضلين ومتفاوتين، وهذا التفاوت على نوعين: نوع ليس للإنسان فيه أي إرادة، كأن يولد مثلاً في الصين ، أو في الهند ، أو يولد من أبوين من طبقة اجتماعية راقية جداً؛ كما لو كان مثلاً من البراهمة في الهند ، أو في طبقة اجتماعية وضيعة جداً؛ كما لو كان مثلاً من الشودرا في الهند ، وكأن يولد في القرن العشرين، أو في القرن الأول أو الرابع أو العاشر.. وغير هذه أمور، فهذه لا قدرة للإنسان، ولا يد ولا دخل له فيها.
  2. ولادة الإنسان في وضع أفضل من ولادته في وضع آخر

    ومع ذلك فإنا نجد أنه ربما تكون ولادته في وضع اجتماعي معين أفضل من ولادته في الوضع الآخر؛ إما في عرف الناس، وإما من حيث الحقيقة.
    فمثلاً: إذا ولد من العرب وليس من العجم هذا لا يد له فيه، لكن من المعلوم أن جنس العرب أفضل من جنس العجم، وأما الآحاد فلا، فليس كل عربي أفضل من كل عجمي؛ لأن الله سبحانه وتعالى اصطفى العرب، (( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ))[آل عمران:33]، فاصطفى الله تعالى آل إبراهيم، واصطفى من آل إبراهيم العرب، وهم ذرية إسماعيل، وفضلهم على ذرية إسحاق، ثم اصطفى الله سبحانه وتعالى من العرب قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفى من بني هاشم محمداً صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث، فهو صلى الله عليه وسلم خيار من خيار.
    فهذا أمر لا يملكه الإنسان، فلا يستطيع الإنسان أن يقول: لماذا ولدت عربياً، أو ولدت أعجمياً؟ فهذا لا خيار له فيه، ومع ذلك فالفضل فيه وارد، والفضل فيه حق.
  3. ولادة الإنسان في وضع أفضل من وضع آخر كما يزعم البعض

    وهناك اعتبار آخر وهو: أن يولد الإنسان في بيئة ويكون فاضلاً، ولكن لا يد له أيضاً في ذلك، وإنما هذا بسبب عرف باطل وليس بحق، وهذا كما قلنا في البراهمة، أو مثلاً في الفرس؛ فلو ولد وكان من أبناء كسرى فهو لا يد له في ذلك، وكونه كذلك لا يعني أن لهم فضلاً في الحقيقة على بقية الناس، لكن في واقع الناس في ذلك المجتمع أن لهم فضلاً، وهو في الحقيقة ليس له يد في ذلك، وإنما الناس كانوا يفضلون هذا النسب، وهو خطأ منهم، وليس هذا كالأول، فالأول له أصل من الدين، وأما هذا فهم جعلوه كذلك. فهذه فالمسألة اعتبارية وليست حقيقة موضوعية، والأمثلة على ذلك كثيرة: سواء في اللون، أو في العشيرة، أو في الإقليم، أو ما أشبه ذلك، وهذا شبيه بالأحوال المعيشية؛ فإن الله سبحانه وتعالى جعل أناساً يولدون فقراء، وأناساً يولدون أغنياء، فهذا أيضاً مما لا دخل للإنسان فيه.. وهكذا. وكذلك العلم الموروث، وهو غير العلم المكتسب، فالأهلية للعلم أيضاً متفاوتة، فمن الناس من أهله الله لذلك، ومنهم من لم يؤهله الله.
  4. النوع الثاني: تفاوت للإنسان فيه إرادة

    والجانب الآخر: هو الجانب الذي للإنسان فيه إرادة، فيمكن أن يتفاضل فيه الخلق بإراداتهم، بحيث إن كل إنسان يختار ويستطيع أن يتفاضل فيه لو خلي بينه وبين الموانع، وهنا يأتي فضل الله تبارك وتعالى، وفضل هذا الدين الذي هو دين الله الحق، فيكون هذا هو المحك الحقيقي للتفاضل؛ سواء كان في أمور الدين، أو في أمور الدنيا.