المادة    
  1. صدور الخوارق عن الرجل ليس دليلاً على الولاية

    يقول المؤلف رحمه الله: (وتجد كثيراً من هؤلاء عمدتهم في اعتقاد كونه ولياً لله أنه قد صدر عنه مكاشفةٌ في بعض الأمور أو بعض التصرفات الخارقة للعادة) وهؤلاء أكبر عمدتهم هي هذه الخوارق التي تجري على أيدي من يزعمون أنهم أولياء لله تعالى، كأن يحصل منه أن يشير إلى شخص فيموت، فقد يقع هذا، ولكن ما تعليله؟ لا شك أولاً أن هذا من قدر الله، لكن كيف يموت؟ الجواب: أن أولياءه من الشياطين الذين لا يرون، كما قال تعالى: (( إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ ))[الأعراف:27] يفتكون بذلك الذي أشار إليه، ويتفقون معه على ذلك، ولو أراد الله أو لم تكن منيته قد حضرت وأجله قد جاء فإنه لا يموت.
    ومن هذه الخوارق أن يطير في الهواء إلى مكة أو غيرها، وكثير ممن يدعي الولاية تحدث بهذا، كما ذكر الشيخ في موضع آخر، فمثلاً في الحج، يكون هذا الشخص يوم التروية في بغداد ، أو في القاهرة ، أو في قرطبة ، أو أبعد، ويوم عرفة يراه الناس في جبل عرفة ، ثم في يوم العيد يرى في البلد الذي كان فيه، ويقول: إني حججت، والحقيقة أنه ما حج، ومجرد ظن أنه وقف بـعرفة ليس دليلاً، ويرد السؤال: هل وقف بـعرفة ؟ قد لا يكون هو الذي وقف، بل ربما قرينه من الشياطين تمثل به فرآه الناس وظنوا أنه هو، وحتى لو طار في الهواء حيث قد يحمله شيطانه في الهواء، ثم يلقيه في مكان ما، ويتشبه القرين الآخر الذي هناك به، ويظنون أنه وصل ويكلمهم ويخاطبهم، وحتى لو كلمهم بكلام يعرفونه عنه فلا غرابة؛ لأن قرينه معه، وهناك من يكون معك من الإنس ليلاً ونهاراً، يعرف أخبارك وأسرارك، ويعرف كل شيء عنك، ويتكلم بما يعلم من حالك، ويعرف من تعرف ومن لا تعرف، فليس الخارق دليلاً على الولاية.
    قد يقول قائل: إن هذا الولي قال لي كلمة كذا وكذا، ووالله ما كان هناك من يدري ما أقول إلا فلاناً فما أدراه؟! الجواب: إنك أنت ما رأيت القرين الذي كان معه، فالقرين معكما، وكان ثالثكما، وهو الذي جاء وخاطبه والعياذ بالله، فهكذا يفتنهم الشيطان، وإلى يومنا هذا توجد فتنة ما يسمى بتحضير الأرواح، وهذه والعياذ بالله من أكبر أسباب الغواية في الغرب؛ لأن الغالب على الغرب -كما تعلمون- المادية وإنكار الغيب مطلقاً، وهناك قلة قليلة تريد أن تؤمن بالله، أو بالأحرى تريد أن تؤمن بعالم الغيب، وتشعر بأن وراء هذه الحياة حياة أخرى، وأن وراء عالم الشهادة عالم غيب، فيأتيها الشيطان من باب تحضير الأرواح والافتتان بالسحر والشعوذة والجن، ولهذا أكبر مقر للسحرة في العالم كله في نيويورك ، قريب من مبنى الأمم المتحدة، وسحرة العالم كله يجتمعون فيه، ويظنون أنهم يعوضون الخواء النفسي الموجود عندهم، وكذلك في باريس ، وفي لندن ، وفي روما ، توجد أكبر الأماكن وأكثرها ارتياداً لهؤلاء السحرة والمشعوذين والعياذ بالله، وتحضير الأرواح هو أحد أعمالهم التي يعملونها، فيقول لك مثلاً: إنه يطير في الهواء، مع أن بعض الناس يقولون: لم يحصل هذا، ويقولون: إنه على كثرة ما تدعيه الصوفية من أن الأولياء يطيرون لم يلاحظ أحد أن ولياً طار، وهذا إنما هو فقط من باب أنهم يقولونه.
    ومما يذكر من الخوارق أن هناك من يمشي على الماء أحياناً، ويذكرون أن هذا من كراماته ومن خوارقه، أو يملأ إبريقاً من الهواء بعد أن لم يكن فيه شيء، أو يختفي أحياناً عن أعين الناس، وغير هذا كثير جداً مما يسمونه كرامات الأولياء كما في كتب الكرامات، مثل جامع كرامات الأولياء أو غيره، وفيها من هذه الخرافات الشيء الكثير، والحلاج وهو متقدم كان من جملتهم، ويذكرون عنه أنه كان يحضر لهم فاكهة الشتاء في الصيف، وكان يأتيهم بالسمك كما حدث أنه كان جالساً واشتهوا سمكاً مشوياً فمد يده في الهواء وإذا بيده سمك مشوي وأعطاهم إياه وغير ذلك، فقالوا: هذا ولي لله، فتعلقوا به، وأخذوا الحق والباطل الذي يلقيه، فالولاية عندهم هي هذه الخوارق الظاهرة.
    وأسوأ من هذا النوع نوع آخر، وهو أن البعض يقول: إنه قد استغاث بولي وهو غائب أو وهو ميت، فرآه قد جاء فقضى حاجته، وهذه مصيبة كبيرة والعياذ بالله؛ لأنها شرك، إذا يقولون: استغيث بالشيخ يأتك، وإذا ركبوا في الفلك وجاءتهم الريح العاصف وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الشيخ والعياذ بالله، فبينما كان المشركون في الجاهلية يدعون الله مخلصين له الدين، فهؤلاء يدعون الشيخ، ويقولون: رأينا الشيخ جاء، وأخذ يرد الرياح بكمه أو بثيابه حتى هدأ البحر وسكن ومرت السفينة بسلام، ويحكون هذا عن الشيخ عبد القادر الجيلاني والشيخ العيدروس ، وكثير من المشايخ الذين ينسبون إليهم هذا القول، إما في حياتهم أو بعد مماتهم.
    وينقلون عن الشمس الحنفي أحد أئمتهم أنه يقول: إن الشيخ الذي لا يغيث مريديه بعد موته كما كان يغيثهم في حياته ليس بشيخ. يعني: نعوذ بالله من ذلك، وهذا من تعلقهم بالشياطين الذين يقولون: حتى بعد أن تموت نحن سنستمر في هذا العمل، وهذا لا يعني -كما نبه عليه الشيخ- أنهم كاذبون، فمن تحصل له هذه الحالة هو في ذاته قد يكون كاذباً في دعواه ولم تحصل له هذه الكرامة، وقد يكون متواطئاً مع الشياطين وراضياً، وليس شرطاً أن يكون كاذباً؛ لأنه قد يكون مخدوعاً مضللاً، كما هو حال كثير من الناس والعياذ بالله، وهو أنه بسبب ضلاله وتركه اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وقع في الضلال، وعوقب عليه بهذا؛ ولهذا كما ذكر الشيخ يبدأ هؤلاء بالبدعة وينتهون بالكفر والعياذ بالله.
    ومما يذكرونه من الخوارق أن الولي يخبر الناس بما سرق عليهم، فمن الناس من إذا أضاع حقيبته، أو ضاع عليه شيء، أو ضاع أحد أبنائه نسأل الله أن يحفظنا وإياكم ويحفظ أموالنا وأهلينا تجده يسافر من كاهن إلى كاهن، ومن دجال إلى دجال، وكل واحد منهم يعده بإظهار ما يريده، وهؤلاء الكذبة البطلة لو كانوا يستطيعون أن يأتوا بالمال المسروق فعلاً لكانوا فعلوا ذلك تعاوناً على المعروف، ولكنهم لا يراعون حدود الله بل يسرقون أموالاً ويرتاحون لهذا العمل، مع أننا نجد مطاردة رجال الهيئة، ورجال الأمن والناس لهم، وتجدهم تحت الخوف والرعب، ومع ذلك نجد هؤلاء السحرة يرجعون المسروق البعيد الغائب، وذلك لا يكون لولا أن لهم دوراً ولهم ضلعاً في سرقة الأشياء التي يرجعونها، ولو كان هؤلاء لهم قدرة على ذلك لاستطاع أحدهم أن يسرق أكبر بنك من البنوك، ولأرسل الناس هذا الولي ليأخذ مالاً ويرتاحوا الدهر كله، وهذا يدل على أن لهم في الغالب ضلعاً فيما يضيع، فيخطف الحقيبة أو الطفل أو الطفلة ولي من أوليائهم، أو بتعاون مع قرين من قرنائهم من الإنس، ثم يأتيه الخبر؛ لأن له دوراً في المؤامرة وهو يعرفها، ثم يطلع هؤلاء عليها، وإن لم يكن هو الذي خطف فالشيطان الأكبر يعلم وليه أن أحد أوليائه أخذ كذا وفعل كذا، فيتقرب إلى هذا بإخباره ويتقرب إلى ذلك أيضاً، ويُفتن الجميع والعياذ بالله.
  2. وجود الخوارق عند بعض أتباع الديانات الباطلة

    يقول الشيخ رحمه الله: (وليس في شيء من هذه الأمور ما يدل على أن صاحبها ولي لله) يعني مجرد هذه الأمور لا تدل على ولاية الله، بل قد اتفق أولياء الله على أن الرجل لو طار في الهواء أو مشى على الماء لم يغتر به حتى ينظر في متابعته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وموافقته لأمره ونهيه، وهذه العبارة قالها كثير من أئمتهم، فمن ذلك قول بعضهم: لو رأيتم الرجل يطير في الهواء، أو يمشي على الماء فلا تغتروا به حتى تنظروا إلى اتباعه لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
    فالأئمة المتبوعون الذين يؤخذ كلامهم في هذا الشأن يذكرون أنها ليست دلالة على الولاية؛ لأن مجرد الخارق للعادة قد يقع من أعداء الله وأولياء الشيطان، وقد يقع من أولياء الله؛ ولذلك تجد النصارى يمخرقون على الناس في عيد الميلاد، ويقولون: العذراء تنزل عليهم، وليس تلك إلا حيلة شيطانية خبيثة أو بتعاون مع الجن، فيرسمون صورة العذراء على منارة أو على عمود الكنيسة بخيوط دقيقة بشكل صورة امرأة، ثم يكون الراهب هناك، فيقول: الآن تنزل العذراء ويجلسون ويجتمعون يرتقبونها، ويقدح في الزيت فتشتعل الصورة، فيكون الزيت الذي في الخيوط يشتعل والصورة على شكل الخيط فتكون كأنها على شكل عذراء، فيقولون جاءت العذراء ويبكون ويصرخون ويمخرقون على الناس، وكذلك كثير من الحيل التي يفعلونها.
    وأما الهندوس فعندهم أعجب من هذا؛ ولذلك لا تستطيع أن تفرق بين ألعاب السحر أو السيرك التي يفعلونها العلمانيون لا دينيون ملحدون، وبين ما يفعله هؤلاء الذين يدعون أنهم أولياء، فلو رأيت ما يفعله الرفاعية ، وما يفعله سحرة الهنود أو ما يفعله الغربيون الذين لا دين لهم في ألعاب السيرك، فستجد أن القضية واحدة، وأنها إما مخرقة أو حيلة باليد أو حيل كيميائية، أو حيل علمية طبيعية، أو من فعل ومن صنع وتأثير الشياطين، فالهندوسي مثلاً في أوروبا أمام الأطباء يدقون رأسه بمسمار طويل حتى يختفي ولا يموت، فيتعجبون ويظنون أن هذا ولي لله، مع أنه عابد للبقر، فمن كان على أي دين من الأديان الكتابية ونحوها كيف يكون ولياً لله؟! والحقيقة أن ما يحدث ليس كما يرونه على الحقيقة، فالأطباء يرون أن الأعضاء سليمة كلها، إذاً: المسمار لم يُدق فيه، وإن شاء الله عندما نتحدث عن موضوع الكرامات نبين كثيراً من هذه الحيل، وكيف أن شيخ الإسلام رحمه الله بين أن بعض من تابوا هم بأنفسهم بينوا ذلك، وقد حدثت هذه الأشياء لأناس كثير في القديم والحديث، منها: أن بعضهم قال: كنت إذا حضرت بعض هذه الأمور أو رأيتها قرأت آية الكرسي فإني أرى الأمر على حقيقته، فأرى المسمار يدق بعيداً عن الرأس، والنار التي يضع فيها سيخاً من حديد ويبلعه أراه من جنبه لكن بقية الناس يندهشون ويظنون أنه أدخله في فمه، فإذا قرأ الإنسان آية الكرسي ذهبت الغشاوة الشيطانية أو التخييل الشيطاني الذي يقع على أعين الذين لا يذكرون الله ممن يرونه.
    إذاً: هذه الحيل والخوارق قد تقع من عباد الله الصالحين فتكون كرامة فعلاً، ولكنه قد تقع أيضاً من هؤلاء في الظاهر وتكون لها أسبابها، فإما أنها حيل خفية وإما أسباب شيطانية.