المادة    
‏ ثم استطرد الشيخ في هذا الموضوع وشرع في الموضوع الرابع وهو عصمة الولي، أي: هل يخطئ الولي؟ أو بتعبير آخر: إذا قلنا: إن فلاناً من أولياء الله فهل معناه: أنه معصوم لا يخطئ؟
معلوم عند أهل السنة والجماعة وطلبة العلم أن المعصوم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن من عداه -ولو كان الصديق - ولو كان عمر وهو محدث رضي الله عنهم- فإنه يؤخذ من قوله ويترك، وإنما الغاية أن يكون كل أحد أقرب الناس إلى سنة المعصوم، فبمقدار قربه من امتثال أمر المعصوم يكون أقرب إلى العصمة، وأما أن يكون معصوماً؛ فلا أحد معصوم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا هو المعلوم؛ لكن في واقع حال الأمة من الخلط، ومن الضلال، ومن الضياع الشيء الكثير؛ حتى أصبح من يدعون أنهم أولياء يأمرون الناس بالفحشاء وبالمنكر المخالف لما في القرآن والسنة، فيقول بعضهم: الشيخ أمرني، والولي أمرني، ولا يخالفونه بحجة أنه يخاطب ويكاشف، ومن هنا جاءت علاقة موضوع الولاية بالخطاب، لكن لابد أن تكون المكاشفة أو التحديث أو الإلهام متعلقة بالاستقامة، فالولي الحق هو من استقام على ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وكل أحد يوزن ويحاسب بما جاء به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وقد ضرب الشيخ مثلاً بـعمر رضي الله عنه، فقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه محدَّث فقال: ( قد كان في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن أحد من أمتي فـعمر )، فـعمر محدَّث، ويستحق أن يوصف بذلك، ومع ذلك لم يكن عمر يلزم الناس برأيه، أو بفتواه، أو بقوله، بل إن عمر له اجتهادات ومواقف خالف فيها الصواب، وأخطأ فيها وهو عمر المحدَّث.
إذاً فأي ولي تفترضه بعد عمر فهو دونه، والخطأ عليه وارد، والمشكلة أن من يزعمون ويدعون الولاية في العصور المتأخرة أكثرهم زنادقة، وأكثر أعمالهم معاصٍ وفجور، فهم أبعد عن الولاية، كما أنهم هم أبعد شيء عن العصمة.
ومن مواقف عمر التي أخطأ فيها: ما حصل منه عند قتال المرتدين وعند صلح الحديبية، وعند موت النبي صلى الله عليه وسلم، وفي قضايا كثيرة في الأحكام، والصديق أكمل منه في الولاية، ولهذا كان موقف الصديق يوم الحديبية هو الصواب، وموقفه يوم المرتدين هو الصواب، وقبل هذا كان موقفه عندما مات الرسول صلى الله عليه وسلم هو الصواب، وأما عمر فقد كان يقول: لم يمت، مع أنه قد مات: (( أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ))[الأنبياء:34]، (( وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ))[الأنبياء:34].
إذاً: فأكبر وأعظم المحدثين في هذه الأمة الملهمين؛ الذين يوفقهم الله، ويجعل الحق على ألسنتهم ولمَّة الملك هي الغالبة عليهم؛ هو عمر ، قال علي : [ إن كنا لنرى أن الشيطان يهاب أن يأمر عمر بمعصية ]، ومع ذلك فليس معصوماً، إذاً: فما بالك بأي ولي من بعده، وأي إمام أو عابد أو زاهد أو أياً من كان في التقوى والإخلاص والإيمان واليقين؟ فلا بد أن له أخطاء ومخالفات، وأنه قد يقول الحق وقد يخطئه، وكونه مأجوراً على اجتهاده هذا أمر آخر، وهذا من حكمة الله؛ ليتميز رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عامة الناس، وليكون وحده المتبوع المتلقى عنه؛ الذي يطاع أمره كله، ويؤخذ عنه قوله كله، (( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ))[النجم:3-4].
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.