المادة    
يقول: "أكثرت من القراءة في تلك الأعوام، لكنها لم تكن قراءة موجهة" لقد تحرر من آخر شعرة، وكفر والعياذ بالله، فأصبح يقرأ قراءة غير موجهة، يقول: "ولذلك ذهب كثير منها بغير جدوى، فقد قرأت مقداراً كبيراً من الشعر الرديء" يعني أنه كان يمكن أن يصير حداثياً، ولقد كان معاصراً لزعيم الحداثة العالمية، الذي هو صاحب الأرض الصخر أو الأرض اليباب إيليوت، وهو رجل إنجليزي، لكن الغريب -في هذه المناسبة- أن إيليوت زعيم الحداثة في العالم رجع في آخر حياته إلى الكاثوليكية، وأصبح يطالب بأدب كاثوليكي ملتزم، وقال: يجب أننا نتخلص من الآثار الوثنية في أدبنا.
والمقصود أن راسل كان يمكن أن يكون حداثياً، يقول: "قرأت مقداراً كبيراً من الشعر الرديء، وبخاصة شعر جونسون وبايرون، لكني وقعت آخر الأمر وأنا في السابعة عشرة من عمري على شيللي الذي لم يكن قد أنبأني به أحد، فظل شيللي لأعوام كثيرة هو الرجل الذي أحببته أكثر من أي رجل آخر بين عظماء الماضي، ثم قرأت كثيراً لـكارلايل، وأعجبت بكتابه الماضي والحاضر، لكني لم أحب كتابه عن الملابس".
كارلايل هذا له كتاب مشهور هو كتاب الأبطال، ومن جملة الأبطال الذين تحدث عنهم كارلايل في كتابه محمد صلى الله عليه وسلم؛ فقد ذكره من جملة الأبطال، وأثنى عليه ثناءً كثيراً؛ يذكرنا بما قلناه من أن الفلاسفة يعتقدون أن الأنبياء مجرد عباقرة مصلحين، لهم قوة نفس وقوة إدراك وذكاء، وقدرة على التأثير وصفاء في الذهن... إلخ، وبعض من تقرءون له في السيرة يأتي بكلام كارلايل ويقدسه ويعظمه حين يتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويجب أن نتنبه إلى خطورة هذه القضية.
وكذلك الأمريكي الذي كتب قبل أربع سنوات أو خمس سنوات تقريباً أبطال العالم المائة، وجاء بمحمد صلى الله عليه وسلم وبوذا والمسيح وداروين ولينين، فجمع بين المتناقضين، لكنه أيضاً أعجب به كثير من الكُتَّاب، وكتبوا عنه.
سبحان الله! ما دام هذا الأمريكي ذكرنا أو أتى بسيرتنا أو أتى باسم نبينا جعلنا هذا فخراً! كأننا نعيش على فتات الأمم؟! إن كل ما يعجبهم في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم ويتحدثون به عنه أنه وحَّد العرب، وحولهم من قبائل همجية إلى أمة موحدة، حاربت الرومان وغلبتهم، وحاربت الفرس وغلبتهم.
يقول: "وأما الرجل الذي كدت أن أتفق معه في الرأي اتفاقاً تاماً، فهو مل، وكان لكتبه: الاقتصاد السياسي والحرية وخضوع المرأة أثر عميق في نفسي، وعلقت على كتابه في المنطق تعليقاً مفصلاً".